التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (13)

وقوله - سبحانه - { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } بيان لما يحدث له يوم القيامة ، أى : يخبر الإِنسان فى هذا اليوم بما قدم من أعمال حسنة . وبما أخر منها فلم يعملها ، مع أنه كان فى إمكانه أن يعملها ، والمقصود بالآية المجازاة على الأعمال لا مجرد الإِخبار .

قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أى : يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، كما قال - سبحانه - : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (13)

ثم قال تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أي : يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها ، أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، كما قال تعالى : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] وهكذا قال هاهنا : { بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { يُنَبّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدّمَ وَأَخّرَ * بَلِ الإِنسَانُ عَلَىَ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىَ مَعَاذِيرَهُ } .

يقول تعالى ذكره : يُخْبَر الإنسان يومئذٍ ، يعني يوم يَجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما قدّم وأخّر .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : بِمَا قَدّمَ وأخّرَ فقال بعضهم : معنى ذلك : بما قدّم من عمل خير ، أو شرّ أمامه ، مما عمله في الدنيا قبل مماته ، وما أخّر بعد مماته من سيئة وحسنة ، أو سيئة يعمل بها من بعده . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ وأخّرَ يقول : ما عمل قبل موته ، وما سَنّ فعُمِل به بعد موته .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود قال : بِمَا قَدّمَ من عمله وأخّرَ من سنة عمل بها من بعده من خير أو شرّ .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية ، وأخر من الطاعة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ وأخّرَ يقول : بما قدّم من المعصية ، وأخّر من الطاعة ، فينبأ بذلك .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ينبأ بأوّل عمله وآخره . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور عن مجاهد يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ وأخّرَ قال : بأوّل عمله وآخره .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وإبراهيم ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : بِما قَدّمَ من طاعة وأخّرَ من حقوق الله التي ضيّعها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ من طاعة الله وأخّرَ مما ضيع من حقّ الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بِمَا قَدّمَ وأخّرَ قال : بما قدّم من طاعته ، وأخّر من حقوق الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : بما قدّم من خير أو شرّ مما عمله ، وما أخّر مما ترك عمله من طاعة الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدّمَ وأخّرَ قال : ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله ، ما ترك من طاعة الله لم يعمل به ، وما قدم : ما عمل من خير أو شرّ .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه مما عمل من خير أو شرّ في حياته ، وأخّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم وأخّر ، كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ ، وأخّر بعده من عمل كان عليه فضيّعه ، فلم يعمله مما قدّم وأخّر ، ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض ، فكلّ ذلك مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (13)

وجملة { يُنَبَّأ الإِنسانُ يومئذٍ بما قدّم وأخَّر } مستأنفة استئنافاً بيانياً أثارهُ قوله : { إلى ربك يومئذٍ المستقر } ، أو بدل اشتمال من مضمون تلك الجملة ، أي إلى الله مصيرهم وفي مصيرهم يُنبأون بما قدموا وما أخروا .

وينبغي أن يكون المراد ب { الإِنسان } الكافر جرياً على سياق الآيات السابقة لأنه المقصود بالكلام وإن كان كل إنسان ينبأ يومئذٍ بما قدم وأخر من أهل الخير ومن أهل الشر قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } الآية [ آل عمران : 30 ] . واختلاف مقامات الكلام يمنع من حمل ما يقع فيها من الألفاظ على محمل واحد ، فإن في القرآن فنوناً من التذكير لا تلزم طريقة واحدة . وهذا مما يغفل عن مراعاته بعض المفسرين في حملهم معاني الآيات المتقاربة المغزى على محامل متماثلة .

وتنبئةُ الإِنسان بما قدّم وأخرّ كناية عن مجازاته على ما فعله : إن خيراً فخيرٌ وإن سُوءاً فسوءٌ ، إذ يقال له : هذا جزاء الفعلة الفلانية فيعلم من ذلك فعلَته ويلقَى جزاءها ، فكانَ الإِنباء من لوازم الجزاء قال تعالى : { قل بلى وربي لَتُبْعَثُنّ ثم لَتُنَبَّؤنَّ بما عَمِلتم } [ التغابن : 7 ] ويحصل في ذلك الإِنباء تقريع وفضح لحاله .

والمراد ب { ما قدم } : ما فَعَله وب { ما أخرّ } : ما تركه مما أُمر بفعله أو نهي عن فعله في الحالين فخالف ما كُلف به ومما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء : « فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت » .