{ سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ } كما يقال في إسماعيل : إسماعين . وهي لغة بني أسد . وأنشد بعض بني نمير في ضَبِّ صَادَه .
يَقُولُ رَبّ السوق لما جينا *** هذا وربِّ البيت إسْرَائينا{[25102]}
ويقال : ميكال ، وميكائيل ، وميكائين ، وإبراهيم وإبراهام ، وإسرائيل وإسرائين ، وطور سيناء ، وطور سينين . وهو موضع واحد ، وكل هذا سائغ{[25103]}
وقرأ آخرون : " سلام على إدراسين " ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود . وآخرون : " سَلامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ " يعني : آل محمد صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { سَلاَمٌ عَلَىَ إِلْ يَاسِينَ * إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : أمنة من الله لاَل ياسين .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ فقرأته عامة قرّاء مكة والبصرة والكوفة : سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ بكسر الألف من إلياسين ، فكان بعضهم يقول : هو اسم إلياس ، ويقول : إنه كان يُسمى باسمين : إلياس ، وإلياسين مثل إبراهيم ، وإبراهام يُستشهد على ذلك أن ذلك كذلك بأن جميع ما في السورة من قوله : سَلامٌ فإنه سلام على النبيّ الذي ذكر دون آله ، فكذلك إلياسين ، إنما هو سلام على إلياس دون آله . وكان بعض أهل العربية يقول : إلياس : اسم من أسماء العبرانية ، كقولهم : إسماعيل وإسحاق ، والألف واللام منه ، ويقول : لو جعلته عربيا من الإلس ، فتجعله إفعالاً ، مثل الإخراج ، والإدخال أُجْرِي ويقول : قال : سلام على إلياسين ، فتجعله بالنون ، والعَجَمِيّ من الأسماء قد تفعل به هذا العرب ، تقول : ميكال وميكائيل وميكائين ، وهي في بني أسد تقول : هذا إسماعين قد جاء ، وسائر العرب باللام قال : وأنشدني بعض بني نُمير لضبّ صادَهُ :
يَقُولُ رَبّ السّوقِ لَمّا جِينا *** هَذَا وَرَبّ البَيْتِ إسْرَائِينا
قال : فهذا كقوله : إلياسين قال : وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعا ، فتجعل أصحابه داخلين في اسمه ، كما تقول لقوم رئيسهم المهلب : قد جاءتكم المهالبة والمهلبون ، فيكون بمنزلة قولهم الأشعرين بالتخفيف ، والسعدين بالتخفيف وشبهه ، قال الشاعر :
*** أنا ابْنُ سَعْدٍ سَيّدٍ السّعْدِيْنَا ***
قال : وهو في الاثنين أن يضمّ أحدهما إلى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما كقول الشاعر :
جَزَانِي الزّهْدَمانِ جَزاءَ سَوْءٍ *** وكُنتُ المَرْءَ يُجْزَى بالكَرَامَهْ
واسم أحدهما : زهدم وقال الاَخر :
جَزَى اللّهُ فِيها الأعْوَرَيْنِ ذَمامَةً *** وَفَرْوَةَ ثَفْرَ الثّوْرَةِ المُتَضَاجِمِ
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة : «سَلاَمٌ عَلى آلِ ياسِينَ » بقطع آل من ياسين ، فكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى : سلام على آل محمد . وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ قوله : وَإنّ إلْياسَ بترك الهمز في إلياس ويجعل الألف واللام داخلتين على «ياس » للتعريف ، ويقول : إنما كان اسمه «ياس » أدخلت عليه ألف ولام ثم يقرأ على ذلك » «سلام على الْياسين » .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه : سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ بكسر ألفها على مثال إدراسين ، لأن الله تعالى ذكره إنما أخبر عن كلّ موضع ذكر فيه نبيا من أنبيائه صلوات الله عليهم في هذه السورة بأن عليه سلاما لا على آله ، فكذلك السلام في هذا الموضع ينبغي أن يكون على إلياس كسلامه على غيره من أنبيائه ، لا على آله ، على نحو ما بيّنا من معنى ذلك .
فإن ظنّ ظانّ أن إلياسين غير إلياس ، فإن فيما حكينا من احتجاج من احتجّ بأن إلياسين هو إلياس غني عن الزيادة فيه ، مع أن فيما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ قال : إلياس .
وفي قراءة عبد الله بن مسعود : «سَلامٌ عَلى إدْرَاسِينَ » دلالة واضحة على خطأ قول من قال : عنى بذلك سلام على آل محمد ، وفساد قراءة من قرأ : «وإنّ الياسَ » بوصل النون من «إن » بالياس ، وتوجيه الألف واللام فيه إلى أنهما أدخلتا تعريفا للاسم الذي هو ياس ، وذلك أن عبد الله كان يقول : إلياس هو إدريس ، ويقرأ : «وَإنّ إدْرِيسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ » ، ثم يقرأ على ذلك : «سلامٌ عَلى إدْرَاسِينَ » ، كما قرأ الاَخرون : سَلامٌ عُلى إلياسِينَ ، فلا وجه على ما ذكرنا من قراءة عبد الله لقراءة من قرأ ذلك : «سَلامٌ عَلى آلِ ياسِينَ » بقطع الاَل من ياسين . ونظير تسمية إلياس بالياسين : وَشَجَرَةٌ تُخْرُجُ مِنْ طُورِ سِيناءَ ، ثم قال في موضع آخر : وَطُورِ سِينِينَ وهو موضع واحد سمي بذلك .
قوله : { آلْ ياسينَ } قيل أريد به إلياس خاصة وعبر عنه ب { ياسين } لأنه يُدعَى به . قال في « الكشاف » : ولعل لزيادة الألف والنون في لغتهم معنى ويكون ذكر { آل } إقحاماً كقوله : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [ غافر : 46 ] على أحد التفسيرين فيه ، وفي قوله : { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } [ النساء : 54 ] .
وقيل : إن ياسين هو أبو إلياس . فالمراد : سلام على إلياس وذويه من آل أبيه .
وقرأ نافع وابن عامر { ءال يَاسِينَ بهمزة بعدهَا ألف على أنهما كلمتان آل و ( ياسين ) . وقرأه الباقون بهمزة مكسورة دون ألف بعدها وبإسكان اللام على أنها كلمة واحدة هي اسم إلياس وهي مرسومة في المصاحف كلها على قطعتين آل ياسينَ } ولا منافاة بينها وبين القراءتين لأن آل قد ترسم مفصولة عن مدخولها . والأظهر أن المراد ب { آلْ ياسينَ } أنصاره الذين اتّبعوه وأعانوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " آل محمد كلّ تَقي " {[350]} وهؤلاء هم أهل ( جبل الكرمل ) الذين استنجدهم إلياس على سدنة بعل فأطاعوه وأنجدوه وذبحوا سدنة بعل كما هو موصوف بإسهاب في الإِصحاح الثامن عشر من سفر الملوك الأول . فيكون المعنى : سلام على ياسين وآله ، لأنه إذا حصلت لهم الكرامة لأنهم آلُهُ فهو بالكرامة أولى .
وفي قصة إلياس إنباء بأن الرسول عليه أداء الرسالة ولا يلزم من ذلك أن يشاهد عقاب المكذِّبين ولا هلاكَهم للرد على المشركين الذين قالوا : { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] قال تعالى : { قل ربِّ إمَّا تُرينِّي ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون } [ المؤمنون : 93 - 95 ] ، وقال تعالى : { فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون } [ غافر : 77 ] وفي الآية الأخرى { وإلينا يرجعون } [ مريم : 40 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني بالسلام الثناء الحسن والخير الذي ترك عليه في الآخرين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أمنة من الله لآل ياسين.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:"سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ" فقرأته عامة قرّاء مكة والبصرة والكوفة: "سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ "بكسر الألف من إلياسين، فكان بعضهم يقول: هو اسم إلياس، ويقول: إنه كان يُسمى باسمين: إلياس، وإلياسين مثل إبراهيم، وإبراهام يُستشهد على ذلك أن ذلك كذلك بأن جميع ما في السورة من قوله: سَلامٌ فإنه سلام على النبيّ الذي ذكر دون آله، فكذلك إلياسين، إنما هو سلام على إلياس دون آله...
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: «سَلاَمٌ عَلى آلِ ياسِينَ» بقطع آل من ياسين، فكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى: سلام على آل محمد...
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه: "سَلامٌ عَلى إلْياسِينَ" بكسر ألفها على مثال إدراسين، لأن الله تعالى ذكره إنما أخبر عن كلّ موضع ذكر فيه نبيا من أنبيائه صلوات الله عليهم في هذه السورة بأن عليه سلاما لا على آله، فكذلك السلام في هذا الموضع ينبغي أن يكون على إلياس كسلامه على غيره من أنبيائه، لا على آله، على نحو ما بيّنا من معنى ذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان السلام اسماً جامعاً لكل خير لأنه إظهار الشرف والإقبال على المسلم عليه بكل ما يريد، أنتج ذلك قوله: {سلام}.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
تحية من اللّه، ومن عباده عليه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تختم اللمحة القصيرة عن إلياس تلك الخاتمة المكررة المقصودة في السورة، لتكريم رسل الله بالسلام عليهم من قبله، ولبيان جزاء المحسنين، وقيمة إيمان المؤمنين.
وسيرة إلياس ترد هنا لأول مرة في مثل تلك اللمحة القصيرة، ونقف لنلم بالناحية الفنية في الآية: سلام على إلياسين فقد روعيت الفاصلة وإيقاعها الموسيقي في إرجاع اسم إلياس بصيغة (إلياسين) على طريقة القرآن في ملاحظة تناسق الإيقاع في التعبير.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سلام على ياسين وآله، لأنه إذا حصلت لهم الكرامة لأنهم آلُهُ فهو بالكرامة أولى.