اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِلۡ يَاسِينَ} (130)

قوله تعالى : «على إلياسين » قرأ نافع وابن عامر «آلِ يَاسِينَ » بإضافة «آل » - بمعنى الأهل- إلى ياسين والباقون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة بيَاسِين{[47364]} ؛ كأنه جمع إلياس جمع سَلاَمَةٍ{[47365]} ، فأما الأولى{[47366]} فإنه أراد بالآل إلياسَ ولدَ يَاسِين كما تقدم وأصحابَه ، وقيل : المراد بياسين هذا إلياس المتقدم فيكون له اسمان مثل إسماعيل وإسماعين وميكائل وميكائين ، وآلُهُ : رَهْطُه وقومه المؤمنون ، وقيل : المراد بياسين ، محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل : المراد بياسين اسم القرآن كأنه قيل سلام على من آمن بكتاب الله الذي هو يَاسِينُ .

وأما القراءة الثانية ، فقيل : هي جمع إلْيَاس المتقدم وجمع باعتبار أصحابه ( ك ) المَهَالِبَةِ والأشَاعِثَةِ في المُهَلَّبِ وَبِنِيهِ والأَشْعَث وقَوْمِهِ . وهو في الأصل جمع المنسوب إلى إلياس والأصل إلياسي{[47367]} كَأَشْعرِي ، ثم استثقل تضعيفهما فحذفت إحدى يائي النسب ، فلما جمع جمع سلامة التقى ساكنان إحدى اليائين ( و ){[47368]} ياء الجمع فحذفت أولاهما لالتقاء الساكنين فصار الياسين كما ترى ومثله الأَشْعَرُونَ{[47369]} والخُبَيْبُونَ{[47370]} ، قال :

4221- قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِ ( ي ){[47371]} . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد تقدم طَرَفٌ من هذا آخر الشعراء عند قوله : { الأعجمين }{[47372]} [ الشعراء : 198 ] إلاَّ أنَّ الزمخشري قد رد هذا بأنه لو كان على ما ذكر لوجب تعريفه بأل ، فكان يقال على الإِلْياسِين . {[47373]}

قال شهاب الدين : لأنه متى جمع العلم جمع سلامة أو ثني لزمته الألف واللام لأنه تزول علميته فيقال : الزَّيْدَان ، والزَّيْدُون ، والزَّينْبَاتُ ، ولا يلتفت إلى قولهم : جمَاديَان وعمايتان عَلَمَيْ شَهْرَيْنِ ، وَجَبَلَيْنِ لندورهما{[47374]} . وقرأ الحسنُ وأبو رجاء على الياسِينَ{[47375]} بوصل الهمزة لأنه يجمع الياسين وقومه المنسوبين إليه بالطريق المذكورة . وهذه واضحة لوجود «ال » المعرفة كالزَّيْدِينَ . وقرأ عبد الله على إدْراسين{[47376]} لأنه قرأ في الأول : وإن إدريس ، وقرأ أبي علي إيليسين{[47377]} لأنه قرأ في الأول وإن إيليسَ كما تقدم عنه ، وهاتان القراءتان تدلاّن على أنّ «الياسين » جمع إلياس .


[47364]:من القراءة المتواترة. انظرها في السبعة 549 وحجة ابن خالويه 303، والنشر 2/360 والكشف 2/227.
[47365]:انظر هذا التوجيه بالمعنى في الكشف 2/227 وانظر المحتسب 2/223 والدر المصون 4/568، وزاد المسير لابن الجوزي 7/82: 84.
[47366]:المراجع السابقة.
[47367]:هذا مأخوذ من كلام ابن جني في المحتسب قال: "وإلياسين على هذا كأنه على إرادة ياء النسب كأنه الياسين كما حكى عنهم صاحب الكتاب الأشعرون والنميرون يريد الأشعريين والنميريين" ثم قال: "وقد يجوز أن يكون جعل كل واحد من أهل إلياس ياسا فقال إلياسين" المحتسب 2/223.
[47368]:لفظ الواو سقط من نسخة "ب".
[47369]:فإن مفردها أشعري.
[47370]:فإن مفردها خبيبي، وانظر: الدر المصون 4/568، ومجاز القرآن 2/172 و 173 وعلى هذا فإن الياسين قبل الإعلال والحذف كانت الياسيين بياء النسبة وياء الجمعية فحصل فيها ما أثبت من علة وتوجيه.
[47371]:صدر بيت من الرجز لحميد الأرقط عجزه: ......................... ليس أميري بالشجيع الملحد واحتمال أن يكونا شطري رجز لا بيتا واحدا. والخبيبين يروى بالتثنية وبالجمع والجمع يكون فيه الاستشهاد حيث كان الأصل الخبيبيين فحدث فيه ما حدث حيث جعلهم كأن كل رجل منهم خبيب مثل الأشعرون إذا نسبوا إلى الأشعر. والمراد بالخبيبين أبا خبيب ومصعبا أخاه. وانظر المحتسب 2/223 والإنصاف 131 وابن يعيش 3/124 و 7/243 وشرح الكافية 2/23 والمقتصد 202 والخزانة 5/382 و 296 والأشموني 1/225 وكامل المبرد 10/144 والمجاز 2/173.
[47372]:عند الآية 198 منها.
[47373]:قال في الكشاف: "ولو كان جمعا لعرف بالألف واللام". وانظر الكشاف 3/352.
[47374]:الدر المصون 4/569.
[47375]:المحتسب لابن جني 2/223.
[47376]:السابق. وانظر مختصر ابن خالويه 128 ومعاني الفراء 2/392.
[47377]:السابق.