اتفق المفسرون على أن المراد بطور سينين : الجبل الذى كلم الله - تعالى - عليه موسى - عليه السلام - وسينين ، وسيناء ، وسينا ، اسم للبقعة التى فيها هذا الجبل ، بإضافة " طور " إلى ما بعده ، من إضافة الموصوف إلى الصفة .
قال الإِمام الشوكانى : " وطور سينين " هو الجبل الذى كلم الله عليه موسى ، اسمه الطور . ومعنى سينين : المبارك الحسن . . وقال مجاهد : سينين كل جبل فيه شجر مثمر ، فهو سينين وسيناء . وقال الأخفش : طور : جبل . وسينين شجر ، واحدته سينه ، ولم ينصرف سينين كما لم ينصرف سيناء ، لأنه جعل اسما للبقعة .
وأقسم - سبحانه - به ، لأنه من البقاع المباركة ، وأعظم بركة حلت به ووقعت فيه ، تكليم الله - تعالى - ، لنبيه موسى - عليه السلام - .
كما اتفقوا - أيضا - على أن المراد بالبلد الأمين : مكة المكرمة ، وسمى بالأمين لأن من دخله كان آمنا ، وقد حرمها - تعالى - على جميع خلقه ، وحرم شجرها وحيوانها ، وفى الحديث الصحيح ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعد فتحتها : " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهى حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فلا يُعْضَد - أي : يقطع - شجرها - ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد .
إلا أن خلافهم فى المراد بقوله - تعالى - : { والتين والزيتون } ، وقد ذكر الإِمام القرطبى هذا الخلاف فقال ما ملخصه : قوله : { والتين والزيتون } : قال ابن عباس وغيره : هو تينكم الذى تأكلون ، وزيتونكم الذى تعصرون منه الزيت . قال - تعالى - : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } وهى شجرة الزيتون .
وقال أبو ذر : " أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم سلة تين ، فقال : " كلوا " وأكل منها . ثم قال : " لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة ، لقلت هذه . . " " .
وعن معاذ : أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة " .
وقال الإِمام ابن جرير بعد أن ساق جملة من الأقوال من المقصود بالتين والزيتون : والصواب من القول فى ذلك عندنا قول من قال : التين : هو التين الذى يؤكل . والزيتون : هو الزيتون الذى يعصر منه الزيت ، لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون . إلا أن يقول قائل : المراد من الكلام القسم بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك ، دلالة فى ظاهر التنزيل .
وما ذهب إليه الإِمامان : ابن جرير والقرطبى ، من أن المراد بالتين والزيتون ، حقيقتهما ، هو الذى نميل إليه ، لأنه هو الظاهر من معنى اللفظ ، ولأنه ليس هناك من ضرورة تحمل على مخالفته ، ولله - تعالى - أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، فهو صاحب الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين .
وقوله : وَطُورِ سِينِينَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هو جبل موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن قزعة ، قال : قلت لابن عمر : إني أريد أن آتي بيت المقدس وَطُورِ سِينِينَ فقال : لا تأت طور سينين ، ما تريدون أن تدعوا أثر نبيّ إلاّ وطئتموه . قال قتادة : وَطُورِ سِينِينَ : مسجد موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : جبل موسى .
قال : ثنا عوف ، عن يزيد أبي عبدالله ، عن كعب ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : جبل موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَطُورِ سِينِينَ قال : هو الطّور .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : مسجد الطور .
وقال آخرون : الطّور : هو كلّ جبل يُنْبِتُ . وقوله سِينِينَ : حسن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى القزّاز ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا عمارة ، عن عكرِمة ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : هو الحسن ، وهي لغة الحبشة ، يقولون للشيء الحسن : سِينا سِينا .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة ، عن قوله وَطُورِ سِينِينَ قال : طُور : جبل ، وسِينين : حَسَنٌ بالحبشية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح بن محارب ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه المغرب ، فقرأ في أوّل ركعة ( وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ وطُورِ سِينِينَ ) قال : هو جبل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدّث ، عن عكرِمة ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : سواء عليّ نبات السهل والجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : الجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مُؤَمّل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَطُورِ سِينِينَ ) : جبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَطُورِ سِينِينَ ) الجبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن النضر ، عن عكرِمة ، قال : الطور : الجبل ، والسينين : الحسن ، كما ينبت في السهل ، كذلك ينبت في الجبل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبيّ ، أما ( وَطُورِ سِينِينَ ) فهو الجبل ذو الشجر .
وقال آخرون : هو الجبل ، وقالوا : سينين : مبارك حسن . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَطُورِ : الجبل وسِينِينَ قال : المبارك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : جبل مبارك بالشام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : جبل بالشام ، مُبارك حسن .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : طور سينين : جبل معروف ، لأن الطور هو الجبل ذو النبات ، فإضافته إلى سينين تعريف له ، ولو كان نعتا للطور ، كما قال من قال معناه حسن أو مبارك ، لكان الطور منوّنا ، وذلك أن الشيء لا يُضاف إلى نعته ، لغير علة تدعو إلى ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.