التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ} (59)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } .

أي : فعلنا ذلك لعلهم يتذكرون ، فإن لم يتذكروا ويتعظوا ويؤمنوا بما جئتهم به ، فارتقب وانتظر ما يحل بهم من عذاب ، وما وعدناك به من النصر عليهم ، إنهم - أيضا - منتظرون ومرتقبون ما يحل بك من موت أو غيره .

ونحن بفضلنا ورحمتنا سنحقق لك ما وعدناك به ، وسنخيب ظنونهم وآمالهم .

وبعد فهذا تفسير وسيط لسورة " الدخان " . نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ} (59)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فارتقب}: انتظر بهم العذاب.

{إنهم مرتقبون} يعني منتظرون بهم العذاب...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فارْتَقِبْ إنّهُمْ مُرْتَقِبُونَ"، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك، والنصر على هؤلاء المشركين بالله من قومك من قريش، إنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك بصدّهم عما أتيتهم به من الحقّ من أراد قبوله واتباعك عليه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ارتقِب، ولا تكافئهم، ولا تدع عليهم بالهلاك، فإنهم مرتقبون ما ألقى الشيطان في أمنيّتهم بأن مُلكك يزول، وأنه يعود إليهم، والله أعلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

فارتقِبْ العواقب تَرَ العجائب. إنهم يرتقبون، ولكن لا يرون إلا ما يكرهون.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فارتقب} أي فانتظر ما يحل بهم {إنهم مرتقبون} ما يحل بك، متربصون بك الدوائر...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

لما كان مع هذا البيان والوضوح من الناس من كفر وخالف وعاند، قال الله تعالى لرسوله مسليا له وواعدًا له بالنصر، ومتوعدًا لمن كذبه بالعطب والهلاك:

{فَارْتَقِبْ} أي: انتظر {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} أي: فسيعلمون لمن يكون النصر والظفر وعُلُو الكلمة في الدنيا والآخرة، فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين، كما قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

تسبب عن ذلك قوله: {فارتقب} أي ما رجيتك به من تذكرهم المستلزم لهدايتهم. ولما كانوا يظهرون تجلداً ولدداً أنهم لا يعبؤون بشيء من القرآن ولا غيره مما يأتي به ولا يعدون شيئاً منه آية، أخبر عما يبطنون من خوفهم وانتظارهم لجميع ما يهددهم به مؤكداً لأجل ظن من حمل تجلدهم على أنه جلد فقال: {إنهم} وزاد الأمر بالإخبار بالاسم الدال على الثبات والدوام فقال: {مرتقبون} أي تكليفهم أنفسهم المراقبة وإجهادهم أفكارهم في ذلك دائم لا يزايلهم بل قد قطع قلوبهم وملأ صدورهم، فقد انطبق آخر السورة على أولها، بل وعلى المراد من مجملها ومفصلها، بذكر الكتاب والارتقاب لأنواع العذاب -والله الهادي إلى الصواب، إنه الكريم الوهاب...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إطلاق الارتقاب على حال المعاندين استعارة تهكمية؛ لأن المعنى أنهم لاقُون ذلك لا محالة وقد حسنها اعتبار المشاكلة بين (ارتقب) و {مرتقبون}.

وجملة {إنهم مرتقبون} تعليل للأمر في قوله {فارتقب} أي ارتقب النصر بأنهم لاَقُوا العذاب بالقحط وقد أغنت (إنّ) التّسبُب والتعليل.

وفي هذه الخاتمة ردّ العجز على الصدر إذ كان صدر السورة فيه ذكر إنزال الكتاب المبين، وأنه رحمة من الله بواسطة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان في صدرها الإنذار بارتقاب يوم تأتي السماء بدخان مبين وذكر البطشة الكبرى. فكانت خاتمة هذه السورة خاتمة عزيزة المنال اشتملت على حسن براعة المقطع وبديع الإيجاز.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{فَارْتَقِبْ..} يعني: انتظر {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} منتظرون، فماذا ينتظر رسول الله؟ وماذا ينتظر الكافرون؟ رسول الله صاحبُ دعوة وهدى، جاء بنور يهدي به هؤلاء القوم، وهم مناهضون لدعوته يُناصبونه العداء، ويريدون أنْ يُطفئوا هذا النور، هو حريصٌ عليهم مُحب لهدايتهم رغم إيذائهم لهم وسخريتهم منه، حتى إنه ليكاد أنْ يهلك نفسه في سبيل دعوته.

لذلك كثيراً ما خاطبه ربه مُسلِّياً له مُخفِّفاً عنه، يخبره {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ..} [الشورى: 48] {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3].

وقال: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] يعني: لا تحزن يا محمد لما يقولونه عنك، لأنهم يحبونك، ويُقدِّرونك ويعلمون صِدْقك ومكانتك، فأنت عندهم أعلى من أن تكذبَ عليهم، ولكن المسألة أنهم يجحدون بآياتي، فالمسألة عندي أنا.

كلمة {فَارْتَقِبْ..} جاءت في هذه السورة مرتين هنا، وفي قوله سبحانه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} [الدخان: 10] لما دعا رسول الله عليهم وقال:"اللهم اشْدُدْ وطأتك على مُضر، واجعلها عليهم سنين كسِنيٍ يوسف".

فنزل بهم من القحط والجدب ما نزل حتى أكلوا الجيف والعِلْهز وضجّوا يدعون الله أنْ يكشف عنهم، والله يعلم أنه لو كشف عنهم لَعادوا لما كانوا عليه من التكذيب لرسوله.

لذلك خاطب الله رسوله بقوله: {فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77].

فمعنى {فَارْتَقِبْ..} أي: انتظر ما يحلُّ بهم من العذاب لأنهم يرتقبون ما يُريحهم منك ويُخلِّصهم من دعوتك، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يُعلِّم رسوله كيف يجادلهم، فيقول لهم: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].

يعني: قَلْ لهم يا محمد: أنتم تتربصون بنا إحدى الحسنيين، إما النصر عليكم، وإما أنْ نموت شهداء، فإن انتصرنا عليكم عَلا منهجُ الله وساد، وإنْ متْنَا كنا شهداء أحياء عند ربنا نُرزق.

ونَحن نتربَّص بكم أنْ يُصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، إذن: نحن تربَّصنا بكم بشرٍّ لكم، وأنتم تربصتم بنا بخير لنا.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لا يستفاد أبداً من الآية أنّ الله سبحانه يأمر نبيّه أن يكف كلياً عن إبلاغهم رسالته، وينهي نشاطه وفعالياته وجهاده، ويكتفي بأنّ يكون منتظراً للنتيجة، وإنّما هو نوع تهديد لأُولئك المتعصبين عسى أن يستيقظوا من سباتهم، وينتبهوا من غفلتهم.

ملاحظات 1 «ارتقب» في الأصل مأخوذة من الرقبة، ولما كان من ينتظر شيئاً يمد رقبته نحوه دائماً، فقد جاءت بمعنى انتظار الشيء ومراقبته. 2

إنّ الآيات أعلاه تبين بوضوح أنّ القرآن الكريم لا يختص بطبقة خاصّة أو قوم معينين، بل هو لإفهام الجميع وتذكيرهم وإثارة تفكرهم، وعلى هذا، فإنّ أُولئك الذين يجعلون القرآن مجموعة من المفاهيم المبهمة الألغاز المحيرة التي لا يفهمها ولا يعلمها إلاّ طبقة خاصّة، بل وحتى هذه الطبقة لا تفهم منه شيئا ولا تدرك أبعاده، غافلون في الحقيقة عن روح القرآن، إنّ القرآن يجب أن يحيا بين الناس ويحضر بينهم حيثما كانوا، في المدينة والقرية، في الخلاء والملأ، في المدارس الابتدائية والجامعات، في المسجد وميادين الحرب، وفي كلّ مكان يوجد فيه إنسان، لأنّ الله سبحانه قد يسَّره ليتذكر الجميع ويقتبسوا من أنواره ما يضيئون به حياتهم، وكذلك قضت هذه الآية ببطلان أفكار أُولئك الذين حبسوا القرآن في إطار طريقة تلاوته وقواعد تجويده وتعقيداتها، وأصبح همهم الوحيد أداء ألفاظه من مخارجها، ومراعاة آداب الوقف والوصل فتقول لهم: إنّ كلّ ذلك من أجل التذكر الذي يكون عامل حركة وباعثاً على العمل في الحياة، فإنّ رعاية ظواهر الألفاظ صحيح في محله؛ إلاّ أنّه ليس الهدف النهائي، بل الهدف هو فهم معاني القرآن لا ألفاظه.