مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ} (59)

ثم قال : { فارتقب } أي فانتظر ما يحل بهم { إنهم مرتقبون } ما يحل بك ، متربصون بك الدوائر ، والله أعلم .

قال المصنف رحمه الله تعالى : تم تفسير هذه السورة ليلة الثلاثاء في نصف الليل الثاني عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة ، يا دائم المعروف ، يا قديم الإحسان ، شهد لك إشراق العرش ، وضوء الكرسي ، ومعارج السماوات ، وأنوار الثوابت والسيارات ، على منابرها ، المتوغلة في العلو الأعلى ، ومعارجها المقدسة عن غبار عالم الكون والفساد ، بأن الأول الحق الأزلي ، لا يناسبه شيء من علائق العقول ، وشوائب الخواطر ، ومناسبات المحدثات ، فالقمر بسبب محوه مقر النقصان ، والشمس بشهادة المعارج بتغيراتها ، معترفة بالحاجة إلى تدبير الرحمن ، والطبائع مقهورة تحت القدرة القاهرة ، فالله في غيبيات المعارج العالية ، والمتغيرات شاهدة بعدم تغيره ، والمتعاقبات ناطقة بدوام سرمديته ، وكل ما نوجه عليه أنه مضى وسيأتي فهو خالقه وأعلى منه ، فبجوده الوجود وإيجاد ، وبإعدامه الفناء والفساد ، وكل ما سواه فهو تائه في جبروته ، نائر عند طلوع نور ملكوته ، وليس عند عقول الخلق إلا أنه بخلاف كل الخلق ، له العز والجلال ، والقدرة والكمال ، والجود والإفضال ، ربنا ورب مبادينا إياك نروم ، ولك نصلي ونصوم ، وعليك المعول ، وأنت المبدأ الأول ، سبحانك سبحانك .