التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

وهى كائنة { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } وهم الملائكة الذين جعلهم الله - تعالى - سفراء بينه وبين رسله : جمع سافر بمعنى سفير . أى : رسول وواسطة ، أو هم الملائكة الذين ينسخون ويكتبون هذه الآيات بأمره - تعالى - جمع سافر بمعنى كاتب ، يقال : سفَر فلان يَسْفِره ، إذا كتبه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

1

ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر : ( كلا ! ) . . لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها ، واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها ، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا : ( إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة . ) . . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها ، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها ، وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

واختلف الناس في «السفرة » ، فقال ابن عباس : هم الملائكة لأنهم كتبة يقال : سفرت أي كتبت ، ومنه السفر{[11623]} ، وقال ابن عباس أيضاً : الملائكة سفرة لأنهم يسفرون بين الله تعالى وبين أنبيائه ، وقال قتادة : هم القراء وواحد السفرة سافر ، وقال وهب بن منبه : هم الصحابة لأنهم بعضهم يسفر إلى بعض في الخبر والتعليم ، والقول الأول أرجح ، ومن اللفظة قول الشاعر : [ الوافر ]

وما أدع السفارة بين قومي . . . وما أسعى بغش إن مشيت{[11624]}

و «الصحف » على هذا صحف عند الملائكة أو اللوح ، وعلى القول الآخر هي المصاحف .


[11623]:هو الكتاب الكبير.
[11624]:هذا البيت ذكره الفراء في معاني القرآن، وهو في الطبري، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، مع اختلاف كبير في الشطر الثاني، ولم ينسبه أحد منهم، ويروى (وما) بدلا من (فما)، وكذلك يروى (وما) بدلا من (ولا)، و (ما أسعى) بدلا من (وما أمشي)، يفتخر الشاعر بأنه يصلح بين أبناء قومه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

وتأتي وجوهٌ مناسبة في معنى { سفرة } ، فالمناسب للوجه الأول : أن يكون السفرة كتاب القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن يكون المراد قراءُ القرآن ، وبه فسر قتادة وقال : هم بالنبطية القُراء ، وقال غيرهم : الوراقون باللغة العبرانية .

وقد عدت هذه الكلمة في عداد ما ورد في القرآن من المعرّب كما في « الإِتقان » عن ابن أبي حاتم ، وقد أغفلها السيوطي فيما استدركه على ابن السبكي وابن حجر في نظميهما في المعرَّب في القرآن أو قَصد عدم ذكرها لوقوع الاختلاف في تعريبها .

والمناسب للوجه الثاني : أن يكون محمله الرسل .

والمناسب للوجه الثالث : أن يكون محمله الملائكة لأنهم سفراءُ بين الله ورسله .

والمراد بأيْديهم : حِفْظهم إياه إلى تبليغه ، فمثّل حال الملائكة بحال السفراء الذين يحملون بأيديهم الألوك والعُهود .

وإما أن يراد : الرسلُ الذين كانت بأيديهم كتُبهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام .

وإما أن يراد كتَّاب الوحي مثل عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعمر وعثمان وعلي وعامر بن فهيرة .

وكان بعض المسلمين يكتب ما يتلقاه من القرآن ليدرسه مثل ما ورد في حديث إسلام عمر بن الخطاب من عُثُوره على سورة طه مكتوبة عند أخته أم جميل فاطمة زوج سعيد بن زيد .

وفي وصفهم بالسفرة ثناء عليهم لأنهم يبلغون القرآن للناس وهم حفاظه ووعاته قال تعالى : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } [ العنكبوت : 49 ] فهذا معنى السفرة . وفيه بشارة بأنهم سينشرون الإِسلام في الأمم وقد ظهر مما ذكرنا ما لكلمة { سفرة } من الوقع العظيم المعجز في هذا المقام .