التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

وجملة : { لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } مستأنفة ، واردة لبيان سبب الفرار وللمبالغة فى تهويل شأن هذا اليوم .

أى : لكل واحد منهم فى هذا اليوم العظيم ، شأن وأمر يغنيه ويكفيه عن الاشتغال بأى أمر آخر سواه ، يقال : فلان أغنى فلاناً عن كذا ، إذا جعله فى غنية عنه .

وقد ساق ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية عدد من الأحاديث ، منها ما رواه النسائى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحشرون فاة عراة غُرْلا " - بضم فسكون - جمع أغرل ، وهو الأقلف غير المختون - قال ابن عباس : فقالت زوجته : يا رسول الله ، أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " . أو قال : " ما أشغله عن النظر " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

والهول في هذا المشهد هول نفسي بحت ، يفزع النفس ويفصلها عن محيطها . ويستبد بها استبدادا . فلكل نفسه وشأنه ، ولديه الكفاية من الهم الخاص به ، الذي لا يدع له فضلة من وعي أو جهد : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) . .

" والظلال الكامنة وراء هذه العبارة وفي طياتها ظلال عميقة سحيقة . فما يوجد أخصر ولا أشمل من هذا التعبير ، لتصوير الهم الذي يشغل الحس والضمير : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) !

ذلك حال الخلق جميعا في هول ذلك اليوم . . إذا جاءت الصاخة . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

و «الشأن الذي يغنيه » : هو فكرة في سيئاته وخوفه على نفسه من التخليد في النار ، والمعنى { يغنيه } عن اللقاء مع غيره والفكرة في أمره ، قال قتادة : أفضى كل إنسان إلى ما يشغله عن غيره{[11636]} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : «لا يضرك في القيامة كان عليك ثياب أم لا » ، وقرأ هذه الآية{[11637]} وقال نحوه : لسودة ، وقد قالتا : واسوأتاه ينظر بعض الناس إلى بعض يوم القيامة{[11638]} ، وقرأ جمهور الناس : «يُغنيه » بالغين منقوطة وضم الياء على ما فسرناه ، وقرأ ابن محيصن والزهري وابن السميفع : «يَعَنيه » بفتح الياء والعين غير منقوطة من قولك عناني الأمر أي قصدني وأردني .


[11636]:الجملة في الطبري عن قتادة: "أفضى إلى كل إنسان ما يشغله عن الناس".
[11637]:أخرج هذا الحديث ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال: (سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: يا رسول الله، بأبي وأمي، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به، قال: إن كان عندي منه علم، قالت: يا نبي الله كيف يحشر الرجال؟ قال: حفاة عراة، ثم انتظرت ساعة فقالت: يا نبي الله كيف يحشر النساء؟ قال: كذلك حفاة عراة، قالت: واسوأتاه من يوم القيامة، قال: وعن ذلك تسأليني؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا، قالت: أي آية هي يا نبي الله؟ قال: (لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه). هكذا رواه الطبري في تفسيره، وأخرج مثله الحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة... الحديث.
[11638]:أخرجه الطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي، وعن سودة بنت زمعة، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يبعث الناس حفاة عراة غرلا، قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان، قلت: يا رسول الله، واسوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض، قال: شغل الناس عن ذلك، وتلا: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه). (الدر المنثور)، وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح مثل ذلك عن أم سلمة رضي الله عنها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

وجملة : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لزيادة تهويل اليوم ، وتنوينُ { شأن } للتعظيم .

وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعاً للجميع تصريحاً بذلك المقتضَى ، فقال : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بَلْهَ الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة .

والشأن : الحال المهم .

وتقديم الخبر في قوله : { لكل امرىء } على المبتدأ ليتأتى تنكير { شأن } الدال على التعظيم لأن العرب لا يبتدئون بالنكرة في جملتها إلا بمسوغ من مسوغاتتٍ عَدَّها النحاة بضعةَ عشر مسوغاً ، ومنها تقديم الخبر على المبتدإ .

والإِغناء : جعل الغير غنياً ، أي غير محتاج لشيء في غرضهِ . وأصل الإِغناء والغنى : حصول النافع المحتاج إليه ، قال تعالى : { وما أغنى عنكم من اللَّه من شيء } [ يوسف : 67 ] وقال : { ما أغنى عني ماليه } [ الحاقة : 28 ] . وقد استعمل هنا في معنى الإِشغال والإِشغال أعم .

فاستعمل الإغناء الذي هو نفع في معنى الإِشغال الأعم على وجه المجاز المرسل أو الاستعارة إيماء إلى أن المؤمنين يشغلهم عن قرابتهم المشركين فرط النعيم ورفع الدرجات كما دل عليه قوله عقبه : { وجوه يومئذٍ مسفرة } إلى آخر السورة .