التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

ثم ختم - سبحانه - السورة بقوله : { إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى } أى : إن هذا الذى ذكرناه من فلاح من تزكى ، ومن إيثاركم الحياة الدنيا على الآخرة ، لكائن وثابت ومذكور فى الصحف الأولى ، التى هى صحف إبراهيم وموسى ، التى أنزلها - سبحانه - على هذين النبيين الكريمين ، ليعلما الناس ما اشتملت عليه من آداب وأحكام ومواعظ . وفى إبهام هذه الصحف ، ووصفها بالقدم ، ثم بيان أنها لنبيين كريمين من أولى العزم من الرسل ، تنويه بشأنها ، وإعلاء من قدرها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

وفي الختام تجيء الإشارة إلى قدم هذه الدعوة ، وعراقة منبتها ، وامتداد جذورها في شعاب الزمن ، وتوحد أصولها من وراء الزمان والمكان :

( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ) . .

هذا الذي ورد في هذه السورة وهو يتضمن أصول العقيدة الكبرى . هذا الحق الأصيل العريق . هو الذي في الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى .

ووحدة الحق ، ووحدة العقيدة ، هي الأمر الذي تقتضيه وحدة الجهة التي صدر عنها ، ووحدة المشيئة التي اقتضت بعثة الرسل إلى البشر . . إنه حق واحد ، يرجع إلى أصل واحد . تختلف جزئياته وتفصيلاته باختلاف الحاجات المتجددة ، والأطوار المتعاقبة . ولكنها تلتقي عند ذلك الأصل الواحد . الصادر من مصدر واحد . . من ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

وقوله تعالى : { إن هذا } قال الضحاك : أراد القرآن ، وروي أن القرآن انتسخ من { الصحف الأولى } وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : الإشارة إلى معاني السورة ، وقال ابن زيد : الإشارة إلى هذين الخبرين «إفلاح من تزكى » وإيثار الناس للدنيا مع فضل الآخرة عليها ، وهذا هو الأرجح لقرب المشار إليه بهذا . وقوله تعالى : { لفي الصحف الأولى } أي لم ينسخ هذا قط في شرع من الشرائع فهو في الأولى وفي الأخيرات ، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت {[11758]} » أي أنه مما جاءت به الأولى واستمر في الغي .


[11758]:أخرجه البخاري في الأنبياء والأدب، وأبو داود في الأدب، وابن ماجه في الزهد، ومالك في موطئه، باب السفر، وأحمد في مسنده (4/121، 122، 5/273).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم وموسى عليهما السلام ، قصد به الإِبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم ورسالة موسى ، ولذلك أكّد هذا الخبر ب { إنَّ } ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين .

والإِشارة بكلمة { هذا } إلى مجموع قوله { قد أفلح من تزكى إلى قوله وأبقى } [ الأعلى : 14 17 ] فإن ما قَبْل ذلك من أول السورة إلى قوله : { قد أفلح من تزكى } [ الأعلى : 14 ] ، ليس مما ثَبت معناه في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام .

روى ابن مردويه والآجُري عن أبي ذر قال : « قلت يا رسول الله هل أُنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : نعم { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والأخرة خير وأبقى } [ الأعلى : 14 17 ] . ولم أقف على مرتبة هذا الحديث .

ومعنى الظرفية من قوله : { لفي الصحف } أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى ، فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى : { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا } [ ص : 16 ] ، أي ما في قِطِّنا وهو صك الأعمال .

و { الصحف } : جمع صحيفة على غير قياس لأن قياس جمعه صحائف ، ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا : سُفُن في جمع سفينة ، ووجه جمع الصحف أن إبراهيم كانت له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة .

وجاء نظم الكلام على أسلوب الإِجمال والتفصيل ليكون لهذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله : { صحف إبراهيم وموسى } بدل من { الصحف الأولى } .

و { الأولى } : وصف لصُحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث . و { الأولى } صيغة تفضيل . واختلف في الحروف الأصلية للفظ أوّل فقيل : حروفه الأصول همزة فواو ( مكررة ) فلام ذكره في « اللسان » فيكون وزن أول : أَأَوَل ، فقلبت الهمزة الثانية واواً وأدغمت في الواو . وقيل : أُصوله : وَاوَان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول : أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر .

وقيل : حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فأصل أول أوْ ألْ بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واواً وأدغما .

و{ الأولى } : مؤنث أفعل من هذه المادة فإما أن نقول : أصلها أُوْلى سكنت الواو سكوناً ميتاً لوقوعها إثر ضمة ، أو أصلها : وُوْلَى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضاً ، أو أصلها : وُألَى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب ، فقيل : أولى فوزنها على هذا عُفْلَى .