التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (113)

ثم بين - سبحانه - رذيلة أخرى من رذائل أهل هذه القرية الكافرة بأنعم الله فقال : { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ } .

أي : ولقد جاء إلى أهل هذه القرية رسول من جنسهم ، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، فأمرهم بطاعة الله وشكره ، ولكنهم كذبوه وأعرضوا عنه .

والتعبير بقوله : { جاءهم } ، يدل على أن هذا الرسول وصل إليهم وبلغهم رسالة ربه ، دون أن يكلفهم الذهاب إليه ، أو البحث عنه .

والتعبير بالفاء في قوله : { فكذبوه } ، يشعر بأنهم لم يتمهلوا ولم يتدبروا دعوة هذا الرسول ، وإنما قابلوها بالتكذيب السريع بدون روية ، مما يدل على غباوتهم وانطماس بصيرتهم .

وقوله - تعالى - { فَأَخَذَهُمُ العذاب وَهُمْ ظَالِمُونَ } ، بيان للعاقبة السيئة التي حاقت بهم .

أي : فكانت نتيجة تكذيبهم السريع لنبيهم أن أخذهم العذاب العاجل الذي استأصل شأفتهم ، والحال أنهم هم الظالمون لأنفسهم ، لأن هذا العذاب ما نزل بهم إلا بعد أن كفروا بأنعم الله ، وكذبوا رسوله .

هذا ، والذي يتأمل هاتين الآيتين الكريمتين يراهما وإن كانتا تشملان حال كل قوم بدلوا نعمة الله كفرا . . إلا أنهما ينطبقان تمام الانطباق على كفار مكة .

وقد بين ذلك الإِمام الألوسي - رحمه الله - فقال ما ملخصه : وحال أهل مكة - سواء أضرب المثل لهم خاصة ، أم لهم ولمن سار سيرتهم كافة - أشبه بحال أهل تلك القرية من الغراب بالغراب ، فقد كانوا في حرم آمن ، ويتخطف الناس من حولهم ، وكانت تجبى إليهم ثمرات كل شيء رزقا ، ولقد جاءهم رسول منهم تحار في سمو مرتبته العقول صلى الله عليه وسلم ، فأنذرهم وحذرهم فكفروا بأنعم الله ، وكذبوه صلى الله عليه وسلم ، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف ، حيث أصابهم بدعائه صلى الله عليه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (113)

112

وتتداخل في التعبير استجابات الحواس فتضاعف مس الجوع والخوف لهم ولذعه وتأثيره وتغلغله في النفوس . لعلهم يشفقون من تلك العاقبة التي تنتظرهم لتأخذهم وهم ظالمون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (113)

{ ولقد جاءهم رسول منهم } ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، والضمير لأهل مكة عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم . { فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون } ، أي : حال التباسهم بالظلم والعذاب ما أصابهم من الجدب الشديد ، أو وقعة بدر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (113)

لما أخبر عنهم بأنهم أذيقوا لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ، وكان إنما ذكر مِن صُنعهم أنهم كفروا بأنعم الله ، زيد هنا أن ما كانوا يصنعون عامّ لكل عمل لا يرضي الله غير مخصوص بكفرهم نعمةَ الله ، وإن من أشنع ما كانوا يصنعون تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه منهم . وذلك أظهر في معنى الإنعام عليهم والرّفق بهم . وما من قرية أُهلكت إلا وقد جاءها رسول من أهلها { وما كان ربّك مهلك القرى حتى يبعث في أمّها رسولاً يتلو عليهم آياتنا } [ سورة القصص : 59 ] .

والأخذ : الإهلاك . وقد تقدم عند قوله تعالى : { فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } في سورة الأعراف ( 95 ) .

وتأكيد الجملة بلام القسم وحرففِ التّحقيق للاهتمام بهذا الخبر تنبيهاً للسامعين المعرّض بهم لأنه محل الإنذار .

وتعريف { العذاب } للجنس ، أي فأخذهم عذاب كقوله : { وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء لعلّهم يضرّعون ثم بدّلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضرّاء والسرّاء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } [ سورة الأعراف : 95 ] .