التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡوَهَّابِ} (9)

ثم أنكر عليهم - سبحانه - بعد ذلك اعتراضهم على اختيار نبيه صلى الله عليه وسلم للرسالة ، وساق هذا الإِنكار بأسلوب توبيخى تهكمى فقال - تعالى - : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز الوهاب } أى : أنهم لم يملكوا خزائن رحمة ربك - أيها الرسول الكريم - حتى يعطوا منها من يشاءون ويمنعوها عمن يشاءون ، ويتخيروا للنبوة صناديدهم ويترفعوا بها عنك . . وإنما المالك لكل ذلك هو الله - تعالى - العزيز الذى لا يغلبه غالب - الوهاب ، أى : الكثير العطاء لعباده .

والمراد بالعندية فى قوله { عندهم } : الملك والتصرف . وتقديم الظرف { عند } لأنه محل الإِنكار . وفى إضافة الرب - عز وجل - إلى الضمير العائد إلى النبى صلى الله عليه وسلم تشريف وتكريم له صلى الله عليه وسلم .

وجئ بصفة { العزيز } للرد على ما كانوا يزعمونه لأنفسهم وآلهتهم من ترفع وتكبر .

كما جئ بصفة { الوهاب } للإِشارة إلى أن النبوة هبة من الله - تعالى - لمن يختاره من عباده ، وهو - سبحانه - أعلم حيث يجعل رسالته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡوَهَّابِ} (9)

ثم يعقب على استكثارهم رحمة الله لمحمد في اختياره رسولاً من بينهم ، بسؤالهم إن كانوا يملكون خزائن رحمة الله ، حتى يتحكموا فيمن يعطون ومن يمنعون :

( أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ? ) . .

ويندد بسوء أدبهم مع الله ، وتدخلهم فيما ليس من شأن العبيد . والله يعطي من يشاء ويمنع من يريد . وهو العزيز القادر الذي لا يملك أحد أن يقف لإرادته . وهو الوهاب الكريم الذي لا ينفد عطاؤه .

وهم يستكثرون على محمد [ صلى الله عليه وسلم ] أن يختاره الله . فبأي حق وبأية صفة يوزعون عطاء الله ? وهم لا يملكون خزائن رحمته ? !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡوَهَّابِ} (9)

{ أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب } : بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخير للنبوة بعض صناديدهم ، والمعنى أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغلب ، الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡوَهَّابِ} (9)

{ أم } منقطعة وهي للإِضراب أيضاً وهو إضراب انتقالي فإن { أم } مشعرة باستفهام بعدها هو للإِنكار والتوبيخ إنكاراً لقولهم : { أءُنزل عليه الذكر من بيننا } [ ص : 8 ] أي ليست خزائن فضل الله تعالى عندهم فيتصدّوا لحرمان من يشاءون حرمانه من مواهب الخير فإن المواهب من الله يصيب بها من يشاء فهو يختار للنبوءة من يصطفيه وليس الاختيار لهم فيجعلوا من لم يقدموه عليهم في دينهم غير أهل لأن يَختاره الله .

وتقديم الظرف للاهتمام لأنه مناط الإِنكار وهوَ كقوله تعالى : { أهم يقسمون رحمة ربك } [ الزخرف : 32 ] .

والخزائن : جمع خزانة بكسر الخاء . وهي البيت الذي يخزن فيه المال أو الطعام ، ويطلق أيضاً على صندوق من خشب أو حديد يخزن فيه المال .

والخزن : الحِفْظ والحِرْز . والرحمة : ما به رفق بالغير وإحسان إليه ، شبهت رحمة الله بالشيء النفيس المخزون الذي تطمح إليه النفوس في أنه لا يُعطَى إلا بمشيئة خازنه على طريقة الاستعارة المكنية . وإثبات الخزائن : تخييل مثل إثبات الأظفار للمنية ، والإِضافة على معنى لام الاختصاص . والعدول عن اسم الجلالة إلى وصف لأن له مزيد مناسبة للغرض الذي الكلام فيه إيماء إلى أن تشريفه إياه بالنبوءة من آثار صفة ربوبيته له لأن وصف الربّ مؤذن بالعناية والإِبلاغ إلى الكمال . وأجري على الرب صفة { العَزِيزِ } لإِبطال تدخلهم في تصرفاته ، وصفة { الوَهَّابِ } لإِبطال جعلهم الحرمان من الخير تابعاً لرغباتهم دون موادة الله تعالى .

و { العزيز } : الذي لا يغلبه شيء ، و { الوهاب } : الكثير المواهب فإن النبوءة رحمة عظيمة فلا يخول إعطاؤها إلا لشديد العزة وافر الموهبة .