تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡوَهَّابِ} (9)

قوله تعالى : { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ } قد ذكرنا في ما تقدم أن حرف الاستفهام من الله عز وجل يخرج على الإيجاب والإلزام مما لو كان ذلك من مستفهم حقيقة ، يتضمن الجواب له ، فقوله عز وجل : { أم عندهم خزائن رحمة ربك } جواب لقولهم : { أأنزل عليه الذكر من بيننا } فجوابه لهم : ليس عندهم رحمة ربك حتى يختاروا الرسالة والنبوة لأنفسهم أو لمن شاؤوا هم كقولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] كانوا لا يرون وضع الرسالة إلا في من كانت له أموال ، وله منعة في الدنيا وفضل ومال .

فيذكر أعندهم خزائن ربك حتى يجعلوا الرسالة والنبوة في ما شاؤوا ، واختاروا ؟ لذلك قال الله عز وجل : { أهم يقسمون رحمت ربك } ؟ أي لا يملكون قسمة ربك . { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } الآية [ الزخرف : 32 ] يخبر أنه على ما لا يملكون يوسع المعيشة على من ضيق عليه ، ويرفع من وضع .

فعلى ذلك ليس إليهم اختيار النبوة والرسالة لمن شاؤوا ، واختاروا . بل اختيار ذلك إلى الله عز وجل وقالوا : إذ كنا أحق بهذا في الدنيا فنحن أيضا أحق بالرسالة والنبوة على ما كنا أحق في الدنيا بالسعة والفضل فيها . بل لو عرفوا أن ما نالوا من السعة في الدنيا وفضل الأموال إنما نالوا ذلك برحمة الله وفضله لا بحق كان لهم على الله . فلو عرفوا ذلك كانوا لا ينكرون وضع الرسالة في من اختار الله عز وجل وضعها في من شاء .

وعلى ذلك قول المعتزلة ؛ إنهم لا يريدون لله أن يفعل بأحد شيئا إلا ما هو أصلح له في الدين ، وإنه لو فعل ما ليس بأصلح له في الدين كان جائرا ظالما ، فيرون حفظ الأصلح له حقا كما رأى أولئك الكفرة السعة والأموال حقا على الله ، فرأوا أنفسهم أحق أيضا بالرسالة والنبوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن المعتزلة يقولون في ألم الصغار : أن ليس لله أن يؤلمهم إلا بعوض ؛ يجعل لهم بإزاء ذلك الألم عوضا ، يرضون هم بذلك ، إذ جعلوا أنفسهم له حقيقة حين لم يجعلوا لله الإيلام إلا بالعوض ، ومن أخذ حقا لغير ، لا يأخذه إلا ببدل وعوض ، يرضاه ذلك الغير . فهذا تناقض في قولهم : إن على الله حفظ الأصلح للخلق في دينهم حين لم يجعلوا له ذلك إلا بعوض يجعل لهم ، والله أعلم .

ودل اتفاق القول : إنه وهاب على أن ما ينال من خير أو سعة أو فضل إنما ينال برحمة وفضل الله لا بحق عليه ، لأن من أدى حقا عليه لا يقال : إنه وهاب على ما أعطى من أعطى . إنما أعطاه تفضلا منه ورحمة ، لا حقا كان عليه .