قوله تعالى : { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ } قد ذكرنا في ما تقدم أن حرف الاستفهام من الله عز وجل يخرج على الإيجاب والإلزام مما لو كان ذلك من مستفهم حقيقة ، يتضمن الجواب له ، فقوله عز وجل : { أم عندهم خزائن رحمة ربك } جواب لقولهم : { أأنزل عليه الذكر من بيننا } فجوابه لهم : ليس عندهم رحمة ربك حتى يختاروا الرسالة والنبوة لأنفسهم أو لمن شاؤوا هم كقولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] كانوا لا يرون وضع الرسالة إلا في من كانت له أموال ، وله منعة في الدنيا وفضل ومال .
فيذكر أعندهم خزائن ربك حتى يجعلوا الرسالة والنبوة في ما شاؤوا ، واختاروا ؟ لذلك قال الله عز وجل : { أهم يقسمون رحمت ربك } ؟ أي لا يملكون قسمة ربك . { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } الآية [ الزخرف : 32 ] يخبر أنه على ما لا يملكون يوسع المعيشة على من ضيق عليه ، ويرفع من وضع .
فعلى ذلك ليس إليهم اختيار النبوة والرسالة لمن شاؤوا ، واختاروا . بل اختيار ذلك إلى الله عز وجل وقالوا : إذ كنا أحق بهذا في الدنيا فنحن أيضا أحق بالرسالة والنبوة على ما كنا أحق في الدنيا بالسعة والفضل فيها . بل لو عرفوا أن ما نالوا من السعة في الدنيا وفضل الأموال إنما نالوا ذلك برحمة الله وفضله لا بحق كان لهم على الله . فلو عرفوا ذلك كانوا لا ينكرون وضع الرسالة في من اختار الله عز وجل وضعها في من شاء .
وعلى ذلك قول المعتزلة ؛ إنهم لا يريدون لله أن يفعل بأحد شيئا إلا ما هو أصلح له في الدين ، وإنه لو فعل ما ليس بأصلح له في الدين كان جائرا ظالما ، فيرون حفظ الأصلح له حقا كما رأى أولئك الكفرة السعة والأموال حقا على الله ، فرأوا أنفسهم أحق أيضا بالرسالة والنبوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن المعتزلة يقولون في ألم الصغار : أن ليس لله أن يؤلمهم إلا بعوض ؛ يجعل لهم بإزاء ذلك الألم عوضا ، يرضون هم بذلك ، إذ جعلوا أنفسهم له حقيقة حين لم يجعلوا لله الإيلام إلا بالعوض ، ومن أخذ حقا لغير ، لا يأخذه إلا ببدل وعوض ، يرضاه ذلك الغير . فهذا تناقض في قولهم : إن على الله حفظ الأصلح للخلق في دينهم حين لم يجعلوا له ذلك إلا بعوض يجعل لهم ، والله أعلم .
ودل اتفاق القول : إنه وهاب على أن ما ينال من خير أو سعة أو فضل إنما ينال برحمة وفضل الله لا بحق عليه ، لأن من أدى حقا عليه لا يقال : إنه وهاب على ما أعطى من أعطى . إنما أعطاه تفضلا منه ورحمة ، لا حقا كان عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.