التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

ويبدو أن يوسف - عليه السلام - قد تأثر بما أصابهم من ضر وضيق حال ، تأثراً جعله لا يستطيع أن يخفى حقيقته عنهم أكثر من ذلك ، فبادرهم بقوله : { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } .

أى : قال لهم يوسف - عليه السلام - على سبيل التعريض بهم ، والتذكير بأخطائهم : هل علمتم ما فعلتموه بيوسف وأخيه من أذى وعدوان عليهما ، وقت أن كنتم تجهلون سوء عاقبة هذا الأذى والعدوان .

قالوا : وقوله هذا يدل على سمو أخلاقه حتى لكأنه يلتمس لهم العذر ، لأن ما فعلوه معه ومع أخيه كان في وقت جهلهم وقصور عقولهم ، وعدم علمهم بقبح ما أقدموا عليه . . .

وقيل : نفى عنهم العلم وأثبت لهم الجهل ، لأنهم لم يعملوا بمقتضى علمهم .

والأول أولى وأقرب إلى ما يدل عليه سياق الآيات بعد ذلك ، من عفوه عنهم ، وطلب المغفرة لهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

وعندما يبلغ الأمر بهم إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار لا تبقى في نفس يوسف قدرة على المضي في تمثيل دور العزيز ، والتخفي عنهم بحقيقة شخصيته . فقد انتهت الدروس ، وحان وقت المفاجأة الكبرى التي لا تخطر لهم على بال ؛ فإذا هو يترفق في الإفضاء بالحقيقة إليهم ، فيعود بهم إلى الماضي البعيد الذي يعرفونه وحدهم ، ولم يطلع عليه أحد إلا الله :

( قال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ؟ ) ! !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

{ قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه } أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة . { إذ أنتم جاهلون } قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته ، وإنما قال ذلك تنصيحا لهم وتحريضا على التوبة ، وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاقبة وتثريبا . وقيل أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو فيه من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك ، وإنما جهلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال ، أو لأنهم كانوا حينئذ صبيانا شياطين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ( 89 ) }

روي أن يوسف عليه السلام لما قال إخوته { مسنا وأهلنا الضر } [ يوسف : 88 ] واستعطفوه - رق ورحمهم ، قال ابن إسحاق : وارفض{[6815]} دمعه باكياً فشرع في كشف أمره إليهم ، فيروى أنه حسر قناعه وقال لهم : { هل علمتم } الآية .

وقوله : { فعلتم بيوسف وأخيه } يريد من التفريق بينهما في الصغر والتمرس بهما وإذاية{[6816]} بنيامين . بعد مغيب يوسف . فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه ، ولم يشر إلى قصة بنيامين الآخرة لأنهم لم يفعلوا هم فيها شيئاً ، ونسبهم إما إلى جهل المعصية ، وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة ، فلما خاطبهم هذه المخاطبة - ويشبه أن يكون قد اقترن بها من هيئته وبشره وتبسمه ما دلهم - تنبهوا ووقع لهم من الظن القوي أنه يوسف ، فخاطبوه مستفهمين استفهام مقرر .


[6815]:ارفض الدمع وترفض: نزل وسال، وفي حديث البراق: (أنه اسصعب علي ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ثم ارفض عرقا).
[6816]:المعروف في اللغة هو: آذاه يؤذيه فأذي هو أذى وأذاة وأذية، وأما إذاية فغير فصيحة وإن وردت في القاموس. (ويامين) هو (بنيامين).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

الاستفهام مستعمل في التوبيخ .

و { هل } مفيدة للتحْقيق لأنها بمعنى { قد } في الاستفهام . فهو توبيخ على ما يعلمونه محققاً من أفعالهم مع يوسف عليه السلام وأخيه ، أي أفعالهم الذميمة بقرينة التوبيخ ، وهي بالنسبة ليوسف عليه السلام واضحة ، وأما بالنسبة إلى بنيامين فهي ما كانوا يعاملونه به مع أخيه يوسف عليه السلام من الإهانة التي تنافيها الأخوة ، ولذلك جعل ذلك الزمن زمن جهالتهم بقوله : { إذ أنتم جاهلون } .

وفيه تعريض بأنهم قد صلح حالهم من بعد . وذلك إما بوحي من الله إن كان صار نبيئاً أو بالفراسة لأنه لما رآهم حريصين على رغبات أبيهم في طلب فداء ( بنيامين ) حين أُخذ في حكم تهمة السرقة وفي طلب سراحه في هذا الموقف مع الإلحاح في ذلك وكان يعرف منهم معاكسة أبيهم في شأن بنيامين علم أنهم ثابوا إلى صلاح .

وإنما كاشفهم بحاله الآن لأن الاطلاع على حاله يقتضي استجلاب أبيه وأهله إلى السكنى بأرض ولايته ، وذلك كان متوقفاً على أشياء لعلها لم تتهيأ إلا حينئذٍ . وقد أشرنا إلى ذلك عند قوله تعالى : { قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده } [ يوسف : 79 ] فقد صار يوسف عليه السلام جِدّ مكين عند فرعون .

وفي الإصحاح ( 45 ) من سفر التكوين أن يوسف عليه السلام قال لإخوته حينئذٍ وهو أي الله قد جعلني أباً لفرعون وسيداً لكل بيته ومتسلطاً على كل أرض مصر . فالظاهر أن الملك الذي أطلق يوسف عليه السلام من السجن وجعله عزيز مصر قد توفّي وخلفه ابن له فجبه يوسفُ عليه السلام وصار للملك الشاب بمنزلة الأب ، وصار متصرّفاً بما يريد ، فرأى الحال مساعداً لجلب عشيرته إلى أرض مصر .

ولا تعرف أسماء ملوك مصر في هذا الزمن الذي كان فيه يوسف عليه السلام لأن المملكة أيامئذٍ كانت منقسمة إلى مملكتين : إحداهما ملوكها من القبط وهم الملوك الذين يُقسهم المؤرخون الإفرنج إلى العائلات الخامسة عشرة ، والسادسة عشرة ، والسابعة عشرة ، وبعض الثامنة عشرة .

والمملكة الثانية ملوكها من الهكسوس ، ويقال لهم : العمالقة أو الرعاة وهم عَرب .

ودام هذا الانقسام خمسمائة سنة وإحدى عشرة سنة من سنة ( 2214 ) قبل المسيح إلى سنة ( 1703 ) قبل المسيح .