{ قَالَ } مجيباً عما عرضوا به وضمنوه كلامهم من ذلك : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } وكان الظاهر على هذا الاقتصار على التعرض بما فعل مع الأخ إلا أنه عليه السلام تعرض لما فعل به أيضاً لاشتراكهما في وقوع الفعل عليهما ، فإن المراد بذلك إفرادهم له عنه وإذلاله بذلك حتى كان لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وطلة ، والاستفهام ليس عن العلم بنفس ما فعلوه لأن الفعل الإرادي مسبوق بالشعور لا محالة بل هو عما فيه من القبح بدليل قوله : { إِذْ أَنتُمْ جاهلون } أي هل علمتم قبح( {[427]} ) ما فعلتموه زمان جهلكم قبحه وزال ذلك الجهل أم لا ؟ وفيه من إبداء عذرهم وتلقينهم إياه ما فيه كما في قوله تعالى : { مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم } [ الإنفطار : 6 ] والظاهر لهذا أن ذلك لم يكن تشفياً بل حث على الإقلاع ونصح لهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم ما رأى مع خفي معاتبة على وجود الجهل وأنه حقيق الانتفاء في مثلهم ، فلله تعالى هذا الخلق الكريم كيف ترك حظه من التشفي إلى حق الله تعالى على وجه يتضمن حق الأخوتين أيضاً والتلطف في اسماعه مع التنبيه على أن هذا الضر أولى بالكشف ، قيل : ويجوز أن يكون هذاالكلام منه عليه السلام منقطعاً عن كلامهم وتنبيهاً لهم عما هو حقهم ووظيفتهم من الإعراض عن جميع المطالب والتمحض لطلب بنيامين ، بل يجوز أن يقف عليه السلام بطريق الوحي أو الإلهام على وصية أبيه عليه السلام وإرساله إياهم للتحسس منه ومن أخيه فلما رآهم قد اشتغلوا عن ذلك قال ما قال ، والظاهر أنه عليه السلام لما رأى ما رأى منهم وهو من أرق خلق الله تعالى قلباً وكان قد بلغ الكتاب أجله شرع في كشف أمره فقال ما قال .
روى عن ابن إسحق أنهم لما استعطفوه رق لهم ورحمهم حتى أنه ارفض دمعه باكياً ولم يملك نفسه فشرع في التعرف لهم ، وأراد بما فعلوه به جميع ما جرى وبما فعلوه بأخيه أداهم له وجفاءهم إياه وسوء معاملتهم له وإفرادهم له كما سمعت ، ولم يذكر لهم ما آذوا به أباهم على ما قيل تعظيماً لقدره وتفخيماً لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه مع أن ذلك من فروع ما ذكر ، وقيل : إنهم أدوا إليه كتاباً من أبيهم وصورته كما في «الكشاف » من يعقوب إسرائيل الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء ، أما جدي فشدت يداه ورجلاه ورمى به في النار ليحرق فنجاه الله تعالى وجعلت النار عليه برداً وسلاماً ، وأما أبي فوضع على قفاه السكين ليقتل ففداه الله تعالى ، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب الأولاد إلي فذهب به إخوته إلى البرية ثم أتوني بقميصه ملطخاً بالدم وقالوا : قد أكله الذئب فذهبت عيناي من بكائي عليه ثم كان لي ابن كان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا : إنه سرق وإنك حبسته لذلك وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقاً فإن رددته علي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي روق نحوه ، فلما قرأ يوسف عليه السلام الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم ذلك . وروى أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا هذا ، وما أشرنا إليه من كون المراد إثبات الجهل لهم حقيقة هو الظاهر ، وقيل : لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء ولكنهم لما لم يفعلوا ما يقتضيه العلم وترك مقتضى العلم من صنيع الجهال سماهم جاهلين ، وقيل : المراد جاهلون بما يؤل إليه الأمر ، وعن ابن عباس والحسن { جاهلون } صبيان قبل أن تبلغوا أوان الحلم والرزانة ، وتعقب بأنه ليس بالوجه لأنه لا يطابق الوجود وينافي { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } [ يوسف : 8 ] فالظاهر عدم صحة الإسناد ، وزعم في التحرير أن قول الجمهور : إن الاستفهام للتقرير والتوبيخ ومراده عليه السلام تعظيم الواقعة أي ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وأخيه كما يقال : هل تدري من عصيت ، وقيل : هل بمعنى قد كما في { هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر } [ الإنسان : 1 ] والمقصود هو التوبيخ أيضاً وكلا القولين لا يعول عليه والصحيح ما تقدم . ومن الغريب الذي لا يصح البتة ما حكاه الثعلبي أنه عليه السلام حين قالوا له ما قالوا غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا فرق لهم وقال : { هَلْ عَلِمْتُمْ } الخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.