الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } اختلفوا في السبب الذي حمل يوسف على هذا القول ، فقال ابن اسحاق : ذُكر لي أنّهم لمّا كلّموه بهذا الكلام غلبته نفسه وأدركته الرقّة فانفضّ دمعه باكياً ثمّ باح لهم بالذي كان يكتم فقال : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } .

وقال الكلبي : إنّما قال ذلك حين حكى لإخوانه : أنّ مالك بن أذعر قال : إنّي وجدت غلاماً في بئر حاله كيت وكيت وابتعته من قوم بألف درهم فقال : أيّها الملك نحن بعنا ذلك الغلام منه ، فغاظ يوسف ذلك وأمر بقتلهم فذهبوا بهم ليقتلوهم ، فولّى يهوذا وهو يقول : كان يعقوب يحزن لفقد واحد منّا حتى كفّ بصره فكيف به إذاً لو قتل بنوه كّلهم ، ثمّ قالوا : إن فعلت ذلك فابعث بأمتعتنا إلى أبينا وإنّه في مكان كذا وكذا ، فذاك حين رحمهم وبكى وقال لهم ذلك القول .

وقال بعضهم : إنّما قال ذلك حين قرأ كتاب أبيه إليه وذلك أنّ يعقوب لما قيل له : إنّ ابنك سرق ، كتب إليه : من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ، بن ابراهيم خليل الله أمّا بعد فإنّا أهلُ بيت مُوكَّل بنا البلاء ، فأمّا جدّي فشدّت يداه ورجلاه وأُلقي في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ، وأمّا أبي فشدّت يداه ورجلاه ووضع السكّين على قفاه ، ليُقتل ، ففداه الله ، وأمّا أنا فكان لي ابن وكان أحبّ أولادي إليّ فذهب به إخوته إلى البريّة ثمّ أتوني بقميصه مُلطّخاً بالدم وقالوا : قد أكله الذئب وذهب [ . . . . . . . . . . ] ثمّ كان لي ابن وكان أخاه من أُمّة وكنت أتسّلى به ، فذهبوا به ثمّ رجعوا وقالوا : إنّه سرق ، وإنّك حبسته بذلك وإنّا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقاً ، فإنْ ردَدته إليّ وإلاّ دعوت عليك دعوة تنزل السابع من ولدك ، فلمّا قرأ يوسف الكتاب لم يتمالك البكاء وعيل صبره فقال لهم ذلك .

وقال بعضهم : إنّما قال ذلك حين سأل أخاه بنيامين : هل لك ولد ؟ قال : نعم ، ثلاثة بنين ، قال : فما سمّيتهم ؟ قال : سمّيتُ الأكبر يوسف قال : ولِمِ ؟ قال : محبّة لك ، لأذكرك به ، قال : فما سمّيت الثاني ؟ قال : ذئباً ، قال : ولم سمّيته بالذئب وهو سبع عاقر ؟ قال : لأذكرك به ، قال : فما سمّيت الثالث ؟ قال : دماء ، قال : ولمَ ؟ قال لأذكرك به ، فلمّا سمع يوسف المقالة خنقته العبرة ، ولم يتمالك ، فقال لإخوته : لمّا دخلوا عليه : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ فرّقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون ، بما يؤول إليه أمر يوسف .

وقيل : يكون المذنب جاهل وقت ذنبه .

قال ابن عباس : إذا أنتم صبيّان ، الحسن : شبان وهذا غيرُ بعيد من الصواب لأنّ مظنّة الجهل الشباب .

فإنّ سئل عن معنى قول يوسف { مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } وقيل ما كان عنهم إلى أخيه وهم لم يسعوا في حبسه ، فالجواب أنّهم لمّا أطلقوا ألسنتهم على أخيهم بسبب الصاع [ حبس ] وقالوا : ما رأينا منكم يا بني راحيل كما ذكرناه ، فعاتبهم يوسف على ذلك .

وقيل : إنّهما لمّا كانا من أُمّ واحدة وكانوا يؤذونه بعد فَقْد يوسف فعاتبهم على ذلك .