محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ} (89)

ثم بين تعالى رأفه يوسف بتعرفه إليهم بقوله :

[ 89 ] { قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون 89 } .

{ قال } أي يوسف مجيبا لهم : { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون } أي شبان غافلون ؟ استفهام تقرير ، يفيد تعظيم الواقعة . ومعناه : ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف ، وما أقبح ما أقدمتم عليه ! كما يقال للمذنب : هل تدري من عصيت / وهل تعرف من خالفت ؟ وهذه الآية تصديق لقوله تعالى{[4945]} : { وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون } .

لطائف :

الأولى - أبدى المهايمي مناسبة بديعة في قول يوسف لهم : { هل علمتم } إثر قولهم : { إن الله يجزي المتصدقين } ، وهو أنهم أرادوا بقولهم : { إن الله يجزي المتصدقين } أنه يعطيهم في الآخرة ما هو خير من العوض الدنيوي ، فأشار لهم يوسف بأنكم تريدون دفع الضرر العاجل ، بوعد الأجر الآجل ، ولا تدفعون عن أنفسكم الضرر الآجل ، كأنكم تنكرونه ، هل علمتم ضرر ما فعلتم بيوسف ؟ .

الثانية - قيل : من تلطفه بهم قوله : { إذ أنتم جاهلون } كالاعتذار عنهم ، لأن فعل القبيح على جهل بمقدار قبحه ، أسهل من فعله على علم . وهم ولو ضربوا في طرق الاعتذار لم يلفوا عذرا كهذا . ألا ترى أن موسى عليه السلام ، لما اعتذر عن نفسه لم يزد على أن قال{[4946]} : { فعلتها إذا وأنا من الظالمين } . ففيه تخفيف للأمر عليهم .

الثالثة - قال الزمخشري : فإن قلت : ما فعلهم بأخيه ؟ قلت : تعريضهم إياه للغمّ والثكل ، بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه ، وجفاؤهم به ، حتى كان لا يستطيع أن يكلم أحدا منهم إلا كلام الذليل للعزيز ، وإيذاؤهم له بأنواع الأذى . انتهى .


[4945]:[12/ يوسف / 15].
[4946]:[26 / الشعراء / 20].