التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ} (47)

وقوله - سبحانه - : { وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى } أى : وأن عليه وحده - سبحانه - الإحياء بعد الإماتة ، والإعادة إلى الحياة مرة أخرى يوم البعث والنشور .

والنشأة هى المرة من الإنشاء ، أى : الإيجاد والتكوين والحلق ، والأخرى : مؤنث الأخير ، والمراد أنه - سبحانه - يوجد النشأة التى لا نشأة بعدها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ} (47)

ومن النشأة الأولى . وهي واقعة مكرورة لا ينكرها منكر ، يتجه مباشرة إلى النشأة الأخرى .

( وأن عليه النشأة الأخرى ) . .

والنشأة الأخرى غيب . ولكن عليه من النشأة الأولى دليل . دليل على إمكان الوقوع . فالذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ، قادر - ولا شك - على إعادة الخلق من عظام ورفات . فليست العظام والرفات بأهون من الماء المراق ! ودليل على حكمة الوقوع . فهذا التدبير الخفي الذي يقود الخلية الحية الصغيرة في طريقها الطويل الشاق حتى تكون ذكرا أو أنثى . هذا التدبير لا بد أن يكون مداه أبعد من رحلة الأرض التي لا يتم فيها شيء كامل ؛ ولا يجد المحسن جزاء أحسانه كاملا ، ولا المسيء جزاء إساءته كاملا كذلك . لأن في حساب هذا التدبير نشأة أخرى يبلغ فيها كل شيء تمامه . فدلالة النشأة الأولى على النشأة الأخرى مزدوجة . ومن هنا جاء ذكرها هكذا قبل النشأة الأخرى . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ} (47)

وقوله : { وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأخْرَى } أي : كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة ، وهي النشأة الآخرة يوم القيامة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ} (47)

كان مقتضى الظاهر من التنظير أن يقدم قوله : { وأنه هو أغنى وأقنى } [ النجم : 48 ] على قوله : { وأن عليه النشأة الأخرى } لما في قوله : { وأنه هو أغنى وأقنى } من الامتنان وإظهار الاقتدار المناسبين لقوله : { وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين } [ النجم : 43 45 ] الخ . إذ ينتقل من نعمة الخلق إلى نعمة الرزق كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم { الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين } [ الشعراء : 78 ، 79 ] وقوله تعالى : { الله الذي خلقكم ثم رزقكم } [ الروم : 40 ] ولكن عدل عن ذلك على طريقة تشبه الاعتراض ليُقرن بين البيانين ذكر قدرته على النشأتين .

ومما يشابه هذا ما قاله الواحدي في شرح قول المتنبي في سيف الدولة :

وقفتَ وما في الموت شك لواقف *** كأنك في جن الردى وهو نائم

تَمُرُّ بك الأبطال كلْمَى هَزِيمـةً *** ووجهُكَ وَضاء وَثَغرك باسـم

أنه لما أنشد هذين البيتين أنكر عليه سيف الدولة تطبيق عَجزي البيتين على صدريْهما وقال : ينبغي أن تطبق عجز الأول على الثاني وعجز الثاني على الأول ثم قال له : وأنت في هذا مثلُ امرىء القيس في قوله :

كأني لم أركب جواداً للــذة *** ولم أتَبطَّن كاعبا ذات خَلخال

ولم أسبإِ الزق الرويّ ولم أقل *** لخيلـيَ كُرّي كَرَّة بعد إجفال

ووجه الكلام في البيتين على ما قاله أهل العلم بالشعر أن يكون عجُز الأول على الثاني والثاني على الأول { أي مع نقل كلمة { لَلذة } من صدر الأول إلى الثاني ، وكلمة { ولم أقل } من صدر الثاني إلى الأول ليستقيم الكلام } فيكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكرّ وسَبْأُ الخمر مع تبطّننِ الكاعب فقال أبو الطيب : « أدام الله عز مولانا إن صح أن الذي استدرك هذا على امرىء القيس أعلم منه بالشعر فقد أخطأ أمرؤ القيس وأخطأتُ أنا ، ومولانا يعرف أن البزَّاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جملته وتفصيله ، وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد وقَرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء ، وإنما لما ذكرتُ الموت في أول البيت اتبعتُه بذكر الردى ليجانسه ، ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً وعينهُ من أن تكون باكية قلت : ووجهك وضاءُ ، لأجمع بين الأضداد في المعنى » اه .

ولو أن أبا الطيب شعر بهذه الآية لذكرها لسيف الدولة فكانت له أقوى حجة من تأويله شعر امرىء القيس .

وفي جملة { وأن عليه النشأة } تحقيق لفعله إياها شَبهاً بالحق الواجب على المحقوق به بحيث لا يتخلف فكأنه حق واجب لأن الله وعد بحصول بما اقتضته الحكمة الإِلهية لظهور أن الله لا يكرهه شيء ، فالمعنى : أن الله أراد النشأة الأخرى كقوله تعالى : { كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة } [ الأنعام : 12 ] .

و { النشأة } : المرة من الإِنشاء ، أي الإِيجاد والخلق .

و { الأخرى } : مؤنث الأخير ، أي النشأة التي لا نشأة بعدها ، وهي مقابل النشأة الأولى التي يتضمنها قوله تعالى : { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } [ النجم : 45 ] . وهذه المقابلة هي مناسبة ذكر هذه النشأة الأخرى .

وقرأ الجمهور { النشأة } بوزن الفعلة وهو اسم مصدر أَنشأ ، وليس مصدراً ، إذ ليس نشأ المجرد بمتعد وإنما يقال : أنشأ .

وقرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب { النشاءة } بألف بعد الشين المفتوحة بوزن الفَعالة وهو من أوزان المصادر لكنه مقيس في مصدر الفعل المضموم العين في الماضي نحو الجزالة والفصاحة . ولذلك فالنشاءة بالمد مصدر سماعي مثل الكآبة . ولعل مدّتَها من قبيل الإشباع مثل قول عنترة :

ينْبَاع من ذفرَى غَضوب جَسْرة

أي : ينبع .

وتقديم الخبر على اسم { أن } للاهتمام بالتحقيق الذي أفادته { على } تنبيها على زيادة تحقيقه بعد أن حقق بما في { أن } من التوكيد .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ} (47)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأن عليه النشأة الأخرى} يعني الخلق الآخر، يعني البعث في الآخرة بعد الموت...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وأنّ عَلَيْهِ النّشأَةَ الأُخْرَى "يقول تعالى ذكره: وأن على ربك يا محمد أن يخلق هذين الزوجين بعد مماتهم، وبلاهم في قبورهم الخلق الآخر، وذلك إعادتهم أحياء خلقا جديدا، كما كانوا قبل مماتهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليُعلم أن له قدرة عليها كما له القدرة على الأولى، لأن أولئك الكفرة كانوا مقرّين بالأولى والقدرة عليها، وينكرون الأخرى، فيُخبِر أن له القدرة عليهما، وبالله التوفيق...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ساق هذه الأشياء دليلاً على إحاطة علمه فلزمها أن دلت على تمام قدرته، وختمها بالنشأة الأولى فلزم من ذلك الإقرار حتماً بأنه قادر على البعث، عبر بما يقتضي أنه لما تقدم به وعده على جميع ألسنة رسله صار واجباً عليه بمعنى أنه لا بد من كونه لأنه لا يبدل القول لديه، لا غير ذلك، فعبر بحرف الاستعلاء تأكيداً له رداً لإنكارهم إياه فقال: {وأن عليه} أي خاصاً به علماً وقدرة {النشأة} أي الحياة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والنشأة الأخرى غيب. ولكن عليه من النشأة الأولى دليل. دليل على إمكان الوقوع. فالذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، قادر -ولا شك- على إعادة الخلق من عظام ورفات. فليست العظام والرفات بأهون من الماء المراق! ودليل على حكمة الوقوع. فهذا التدبير الخفي الذي يقود الخلية الحية الصغيرة في طريقها الطويل الشاق حتى تكون ذكرا أو أنثى. هذا التدبير لا بد أن يكون مداه أبعد من رحلة الأرض التي لا يتم فيها شيء كامل؛ ولا يجد المحسن جزاء إحسانه كاملا، ولا المسيء جزاء إساءته كاملا كذلك. لأن في حساب هذا التدبير نشأة أخرى يبلغ فيها كل شيء تمامه. فدلالة النشأة الأولى على النشأة الأخرى مزدوجة. ومن هنا جاء ذكرها هكذا قبل النشأة الأخرى...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فالمعنى: أن الله أراد النشأة الأخرى كقوله تعالى: {كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة} [الأنعام: 12]. و {النشأة}: المرة من الإِنشاء، أي الإِيجاد والخلق. و {الأخرى}: مؤنث الأخير، أي النشأة التي لا نشأة بعدها، وهي مقابل النشأة الأولى التي يتضمنها قوله تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى} [النجم: 45].

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

والتعبير ب «عليه» من جهة أنّ الله لمّا خلق الناس وحمّلهم الوظائف والمسؤوليات وأعطاهم الحرية وكان بينهم المطيعون وغير المطيعين والظلمة والمظلومون ولم يبلغ أي من هؤلاء جزاءه النهائي في هذا العالم، اقتضت حكمته أن تكون نشأة أخرى لتتحقّق العدالة. أضف إلى ذلك فإنّ الحكيم لا يخلق هذا العالم الواسع لأيّام أو سنوات محدودة بما فيها من مسائل غير منسجمة، فلابدّ أن يكون مقدّمة لحياة أوسع تكمن فيها قيمة هذا الخلق الواسع، وبتعبير آخر إذا لم تكن هناك نشأة أخرى فإيجاد هذا العالم لا يبلغ هدفه النهائي!