التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ} (20)

وقوله - تعالى - : { وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض } استئناف مؤكد لما قبله من أن جميع الخلوقات خاصعة لقدرته - تعالى - .

أى : وله وحده - سبحانه - جميع من فى السموات والأرض ، خلقا ، وملكا ، وتدبيرا ، وتصرفا وإحياء ، وإماتة ، لا يخرج منهم أحد عن علمه وقدرته - عز وجل - .

ثم بين - سبحانه - نماذج من عباده الطائعين له ، بعد أن حكى أقوال أولئك الضالين ، فقال : { نْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ } .

والاستحسار : الكلل والتعب . يقال : حسر البصر يحسُر حسورا - من باب قعد - إذا تعب من طول النظر ، ومنه قوله - تعالى - : { ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } أى : كليل متعب .

أى : ومن عنده من مخلوقاته وعلى رأسهم الملائكة المقربون ، لا يستكبرون عن عبادته - سبحانه - بل يخضعون له خضوعا تاما { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } أى : ولا يكلون ولا يتعبون .

بل هم { يُسَبِّحُونَ } الله - تعالى - ويحمدونه ويكبرونه . طول الليل والنهار بدون فتور أو تراخ أو تقصير . يقال : فتَر فلان عن الشىء يفتُر فتورا ، إذا سكن بعد حدة ، ولان بعد شدة ، ويقال : فتر الماء - من باب قعد - إذا سكن حره فهو فاتر .

قالوا : وذلك لأن تسبيح الملائكة لله - تعالى - يجرى منهم مجرى التنفس منا ، فهو سجية وطبيعة فيهم وكما أن اشتغالنا لا يمنعنا من الكلام ، فكذلك اشتغالهم بالتسبيح لا يمنعهم من سار الأعمال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ} (20)

فحياتهم كلها عبادة وتسبيح بالليل والنهار دون انقطاع ولا فتور . .

والبشر يملكون أن تكون حياتهم كلها عبادة دون أن ينقطعوا للتسبيح والتعبد كالملائكة . فالإسلام يعد كل حركة وكل نفس عبادة إذا توجه بها صاحبها إلى الله . ولو كانت متاعا ذاتيا بطيبات الحياة !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ} (20)

{ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } فهم دائبون في العمل ليلا ونهارًا ، مطيعون قصدًا وعملا قادرون عليه ، كما قال تعالى : { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي ، أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صفوان بن مُحرِز ، عن حكيم بن حِزَام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، إذ قال لهم : " هل تسمعون ما أسمع ؟ " قالوا : ما نسمع من شيء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأسمع أطيط السماء ، وما تلام أن تئط ، وما فيها موضع شِبْر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم " . غريب ولم يخرجوه{[19605]} .

ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع ، عن سعيد ، عن قتادة مرسلا .

وقال أبو إسحاق{[19606]} ، عن حسان بن مخارق ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام ، فقلت له : أرأيت قول الله [ للملائكة ]{[19607]} { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ }

أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل ؟ . فقال : فمن هذا الغلام ؟ فقالوا : من بني عبد المطلب ، قال : فقبل رأسي ، ثم قال لي : يا بني ، إنه جعل لهم التسبيح ، كما جعل لكم النفس ، أليس تتكلم وأنت تتنفس{[19608]} وتمشي وأنت تتنفس ؟ .


[19605]:- ورواه الطبراني في المعجم الكبير (3/201) والطحاوي في مشكل الآثار برقم (1134) من طريق عبد الوهاب بن عطاء به ، وله شاهد من حديث أبي ذر الغفاري أخرجه الترمذي في السنن برقم (2312) وقال : "هذا حديث حسن غريب".
[19606]:- في هـ ، ف ، أ : "محمد بن إسحاق" والمثبت من الطبري 17/70.
[19607]:- زيادة من ف ، أ.
[19608]:- في ف : "وأنت تمشي".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ} (20)

جملة { يسبحون الليل والنهار } بيان لجملة { ولا يستحسرون } لأن من لا يتعب من عمل لا يتركه فهو يواظب عليه ولا يَعيَا منه .

والليل والنهار : ظرفان . والأصل في الظرف أن يستوعبَه الواقع فيه ، أي يسبحون في جميع الليل والنهار .

وتسبيح الملائكة بأصوات مخلوقة فيهم لا يعطلها تبليغ الوحي ولا غيره من الأقوال .

والفتور : الانقطاع عن الفعل .