اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ} (20)

روى عبد الله بن الحارث بن نوفل{[28013]} قال : قلت لكعب : أرأيت قول الله تعالى : { يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ } ثم قال : { جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً }{[28014]} أفلا تكون الرسالة مانعة لهم عن هذا التسبيح ، وأيضاً قال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملائكة }{[28015]} فكيف يشتغلون باللعن حال اشتغالهم بالتسبيح ؟ أجاب كعب الأحبار وقال : التسبيح لهم كالتنفس لنا ، فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا الكلام فكذلك اشتغالهم بالتسبيح لا يمنعهم من سائر الأعمال{[28016]} .

فإن قيل : هذا القياس غير صحيح ، لأن الاشتغال بالتنفس إنما لم يمنع من الكلام ؛ لأن آلة التنفس غير آلة الكلام ، وأما التسبيح واللعن فهما من جنس الكلام فاجتماعهما محال . فالجواب : أي استبعاد في أن يخلق الله لهم ألسنة كثيرة ببعضها{[28017]} يسبح الله وببعضها{[28018]} يلعنون أعداء الله . أو يقال : معنى قوله : «لاَ يَفْتَرُونَ » أنهم لا يفترون عن العزم على أدائه في{[28019]} أوقاته اللائقة به كما يقال : إن فلاناً مواظب على الجماعة لا يفتر عنها ، لا يراد به أنه أبداً مشتغل بها ، بل يراد به أنه مواظب على العزم على أدائها في أوقاتها{[28020]} .


[28013]:هو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو محمد المدني. روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرسلا وعن عمر وعثمان وعلي وعن أبيه، وغيرهم، وروى عنه أبناؤه عبد الله وإسحاق وعبد الملك بن عمير، وغيرهم، مات سنة (99 هـ). تهذيب التهذيب 5/180-181.
[28014]:من قوله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كل شيء قدير} [فاطر: 1].
[28015]:من قوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} [البقرة: 161].
[28016]:انظر الفخر الرازي 22/149.
[28017]:في ب: بعضها.
[28018]:في النسختين: وبعضها.
[28019]:في ب: و.
[28020]:انظر الفخر الرازي 22/149.