ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين ، الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وضعوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم ، من البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وغير ذلك مما كان شرعا لهم ابتدعوه في جاهليتهم ، فقال : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } ، ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس [ له ]{[16728]} فيها مستند شرعي ، أو حلل شيئا مما حرم الله ، أو حرم شيئا مما أباح الله ، بمجرد رأيه وتشهِّيه .
و " ما " في قوله : { لِمَا } مصدرية ، أي : ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم .
ثم توعد على ذلك فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } ، أي : في الدنيا ولا في الآخرة . أما في الدنيا فمتاع{[16729]} قليل ، وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم ، كما قال : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] .
وقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 ، 70 ] .
وقوله : { متاع قليل } ، إشارة إلى عيشهم في الدنيا ، { ولهم عذاب أليم } ، بعد ذلك في الآخرة . وقوله : { وعلى الذين هادوا } الآية ، لما قص تعالى على المؤمنين ما حرم عليهم ، أعلم أيضاً بما حرم على اليهود ليبين تبديلهم الشرع فيما استحلوا من ذلك وفيما حرموا من تلقاء أنفسهم ، وقولهم : { ما قصصنا عليك } ، إشارة إلى ما في سورة الأنعام «من ذي الظفر والشحوم »{[7442]} الآية .
جملة { متاع قليل } استئناف بياني في صورة جواب عما يجيش بخاطر سائل يسأل عن عدم فلاحهم مع مشاهدة كثير منهم في حالة من الفلاح ، فأجيب بأن ذلك متاع ، أي نفع موقّت زائل ولهم بعده عذاب أليم .
والآية تحذّر المسلمين من أن يتقوّلوا على الله ما لم يقله بنصّ صريح أو بإيجاد معاننٍ وأوصاف للأفعال قد جَعل لأمثالها أحكاماً ، فمن أثبت حلالاً وحراماً بدليل من معاننٍ ترجع إلى مماثلة أفعال تشتمل على تلك المعاني فقد قال بما نصب الله عليه دليلاً .
وقُدم { لهم } للاهتمام زيادة في التحذير . وجيء بلام الاستحقاق للتنبيه على أن العذاب خقّهم لأجل افترائهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{متاع قليل}، يتمتعون في الدنيا، {ولهم عذاب أليم}، يقول: في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقال: {مَتاعٌ قَلِيلٌ} فرفع، لأن المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل، أو لهم متاع قليل في الدنيا. وقوله: {ولَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ}، يقول: ثم إلينا مرجعهم ومعادهم، ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{متاع قليل}، على الابتداء. وإنما سمى قليلا، والله أعلم، لوجوه:
أحدها: أن متاع الدنيا على الزوال والانقطاع، فكل ما كان على شرف الزوال والانقطاع فهو قليل كما قيل: كل آت قريب لما يأتي، لا محالة. فعلى ذلك: كل زائل منقطع قريب.
والثاني: سمى قليلا لما هو مشوب بالآفات والأحزان وأنواع البلايا والشدائد، فهو قليل في الحقيقة.
والثالث: سماه قليلا لما أن متاع الدنيا قليل عما وعد في الآخرة؛ فمتاعها من متاع الآخرة قليل، لما ليس فيها الوجوه التي ذكرنا، والله أعلم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أي: منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الفلاح عندهم هو العيش الواسع في هذه الدنيا، أجاب من كأنه قال: فإنا ننظرهم بنعمة ورفاهة؟ فقال تعالى: {متاع قليل}، أي: ما هم فيه لفنائه وإن امتد ألف عام، {ولهم} بعده {عذاب أليم}، ومن ألمه العظيم دوامه، فأيّ متاع هذا!.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
أي: إن المنافع التي قد تحصل لهم على ذلك في الدنيا لا يعتد بها في نظر العقلاء؛ إذا وزن بينهما وبين المضارّ التي في الآخرة، فما متاع الدنيا إلا ظل زائل ثم يفنى ويبقى لهم العذاب الأليم حين مصيرهم إلى ربهم بما اجترحوا من السيئات، ودنّسوا به أنفسهم من أوضار الإثم والفجور والكذب على بارئهم الذي خلقهم وصوّرهم فأحسن صورهم. ونحو الآية قوله: {نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ} [لقمان: 24]...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والذين يفترون على الله الكذب ليس لهم إلا المتاع القليل في الدنيا ومن ورائه العذاب الأليم، والخيبة والخسران. ثم يجرؤ ناس بعد ذلك على التشريع بغير إذن من الله، وبغير نص في شريعته يقوم عليه ما يشرعونه من القوانين، وينتظرون أن يكون لهم فلاح في هذه الأرض أو عند الله!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {متاع قليل} استئناف بياني في صورة جواب عما يجيش بخاطر سائل يسأل عن عدم فلاحهم مع مشاهدة كثير منهم في حالة من الفلاح، فأجيب بأن ذلك متاع، أي نفع موقّت زائل ولهم بعده عذاب أليم.
والآية تحذّر المسلمين من أن يتقوّلوا على الله ما لم يقله بنصّ صريح أو بإيجاد معان وأوصاف للأفعال قد جَعل لأمثالها أحكاماً، فمن أثبت حلالاً وحراماً بدليل من معان ترجع إلى مماثلة أفعال تشتمل على تلك المعاني فقد قال بما نصب الله عليه دليلاً.
وقُدم {لهم} للاهتمام زيادة في التحذير. وجيء بلام الاستحقاق للتنبيه على أن العذاب حقّهم لأجل افترائهم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
... وما من قارئ يقرأ هذه الهداية إلا امتنع عن الهجوم بقوله حلال وحرام إلا إذا كان النص على التحريم من قرآن أو أحاديث النبوة، ولقد كان إبراهيم النخعي، وهو من أئمة فقه الرأي كان إذا وصل برأيه إلى حكم يفيد التحريم لا يقول: حرام، ولكن يقوله أكره، وإذا وصل بقياسه إلى حكم يفيد الحل قل ليس من بأس، أو استحسن هذا متحرجا أن يقول حراما أو حلالا لكي لا يكون ممن دخلوا في حكم هذه الآية...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.