ثم بين - سبحانه - ما قاله لموسى على سبيل الإِرشاد إلى أحكم وأفضل وسائل الدعوة إلى الحق فقال : { فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى . وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى } .
والمقصود بالاستفهام هنا : الحض والترغيب فى الاستجابة للحق ، كما تقول لمن تنصحه : هل كل فى كذا ، والجار والمجرور " لك " خب لمبتدأ محذوف ، أى : هل كل رغبة فى التزكية .
أى : اذهب يا موسى إلى فرعون ، فقل له على سبيل النصح الحكيم ، والإِرشاد البليغ : هل لك يا فرعون رغبة فى أن أدلك على ما يزكيك ويطهرك من الرجس والفسوق والعصيان .
وهل لك رغبة - أيضا - فى أن أرشدك إلى الطريق الذى يوصلك إلى رضى ربك ، فيترتب على وصولك إلى الطريق السوى ، الخشية منه - تعالى - والمعرفة التامة بجلاله وسلطانه .
و { هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك } عرْض وترغيب قال تعالى : { فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } [ طه : 44 ] .
وقوله : { هل لك } تركيب جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا التركيب لأنه قصد به الإِيجاز يقال : هل لك إلى كذا ؟ وهل لك في كذا ؟ وهو كلام يقصد منه العرض بقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل ؟ ومنه قول كعب :
ألا بلّغا عني بجيراً رسالة *** فهل لك فيما قُلْت ويْحَكَ هَلْ لَكَا
بضم تاء ( قلتُ ) . وقول بجير أخيه في جوابه عن أبياته
مَن مبلغٌ كعباً فهل لك في التي *** تَلومُ عليها باطلاً وهي أحزم
و { لك } خبر مبتدأ محذوف تقديره : هل لك رغبة في كذا ؟ فحُذف ( رغبة ) واكتفي بدلالة حرف ( في ) عليه ، وقالوا : هل لك إلى كذا ؟ على تقدير : هل لك مَيل ؟ فحذف ( مَيل ) لدلالة ( إلى ) عليه .
قال الطيبي : « قال ابن جني : متى كان فعل من الأفعال في معنى فعل آخر فكثيراً ما يُجرَى أحدهما مُجرى صاحبه فيعوَّل به في الاستعمال إليه ( كذا ) ويحتذى به في تصرفه حذو صاحبه وإن كان طريقُ الاستعمال والعرف ضده مأخذه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { هل لك إلى أن تزكى } وأنت إنما تقول : هل لك في كذا ؟ لكنه لما دخله معنى : آخُذُ بك إلى كذا أو أدعوك إليه ، قال : { هل لك إلى أن تزكى } .
وقولُه تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } [ البقرة : 187 ] لا يقال : رفثت إلى المرأة ، إنما يقال : رفثتت بها ، ومعها ، لكن لما كان الرفث في معنى الإِفضاء عدّي ب ( إلى ) وهذا من أسَدّ مذاهب العربية ، لأنه موضع يملك فيه المعنى عِنان الكلام فيأخذه إليه » ا ه . قيل : ليس هذا من باب التضمين بل من باب المجاز والقرينة الجارة .
و { تزكى } قرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب بتشديد الزاي على اعتبار أن أصله : تتزكى ، بتاءين ، فقلبت التاء المجاورة للزاي زاياً لتقارب مخرجيهما وأدغمت في الزاي . وقرأه الباقون بتخفيف الزاي على أنه حدفت إحدى التاءين اقتصاراً للتخفيف .
وفعل { تزكى } على القراءتين أصله : تتزكى بتاءين مضارع تزكّى مطاوع زكاه ، أي جعله زكياً .
والزكاة : الزيادة ، وتطلق على الزيادة في الخير النفساني قال تعالى : { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } [ الشمس : 9 ، 10 ] وهو مجاز شائع ساوى الحقيقة ولذلك لا يحتاج إلى قرينة .
والمعنى : حَثُّهُ على أن يستعد لتخليص نفسه من العقيدة الضالة التي هي خبث مجازي في النفس فيقبَلَ إرشاد من يرشده إلى ما به زيادة الخير فإن فعل المطاوعة يؤذن بفعل فَاعِل يعالج نفسه ويروضها إذ كان لم يهتد أن يزكي نفسه بنفسه . ولذلك أعقبه بعطف { وأهديك إلى ربك فتخشى }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.