التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

أما الكافرون المكذبون ، فيقال لهم مرة ومرات - على سبيل التوبيخ والزجر - : { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } .

أى : { كُلُواْ } فى دنياكم كما تأكل الأنعام { وَتَمَتَّعُواْ } بملذاتكم متاعا { قَلِيلاً } سينتهى عما قريب ، وستلقون فى آخرتكم أشد أنواع العذاب . بسبب أنكم كنتم فى الدنيا دأبكم الإِجرام ، والإصرار على الكفر والفسوق والعصيان .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف صح أن يقال لهم ذلك فى الآخرة ؟ قلت : يقال لهم ذلك فى الآخرة إيذانا بأنهم كانوا فى الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ، وكانوا من أهله ، تذكيرا بحالهم السمجة ، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل ، على النعيم والملك الخالد .

وعلل ذلك بكونهم مجرمين ، دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قليلة ، ثم البقاء فى الهلاك أبدا . ويجوز أن يكون { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين فى الدنيا . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

وهنا تعرض في خطفة سريعة رقعة الحياة الدنيا التي طويت في السياق . فإذا نحن في الأرض مرة أخرى . وإذا التبكيت والترذيل يوجهان للمجرمين !

( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

وهكذا تختلط الدنيا بالآخرة في فقرتين متواليتين ، وفي مشهدين معروضين كأنهما حاضران في أوان ، وإن كانت تفرق بينهما أزمان وأزمان . فبينما كان الخطاب موجها للمتقين في الآخرة ، إذا هو موجه للمجرمين فيالدنيا . وكأنما ليقال لهم : اشهدوا الفارق بين الموقفين . . وكلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار ، لتحرموا وتعذبوا طويلا في تلك الدار . . ( ويل يومئذ للمكذبين ! ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

وقوله : { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } خطاب للمكذبين بيوم الدين ، وأمَرَهم أمر تهديد ووعيد فقال تعالى : { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا } أي : مدة قليلة قريبة قصيرة ، { إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } أي : ثم تساقون إلى نار جهنم التي تقدم ذكرها ، { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } كما قال تعالى : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 ، 70 ]

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون حال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيرا لهم بحالهم في الدنيا وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

وقوله تعالى : { كلوا وتمتعوا } مخاطبة لقريش على معنى قل لهم يا محمد ، وهذه صيغة أمر معناها التهديد والوعيد ، وقد بين ذلك قوله { قليلاً } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فيحل بكم ما أحل بالذين من قبلكم من العذاب.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره تهدّدا ووعيدا منه للمكذّبين بالبعث: كلوا في بقية آجالكم، وتمتعوا ببقية أعماركم.

"إنّكُمْ مُجْرِمُونَ" مَسْنُونٌ بكم سنة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية التي متعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها، ثم انتقم الله منها بكفرها، وتكذيبها رسلها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا بالظاهر بالأكل والشرب، وهو في الحقيقة وعيد، وهو أن تمتعكم بالأكل وغيره الذي يمنعكم عن النظر في الآيات قليل؛ عن سريع تفارقونه، وتصيرون إلى عذاب الله تعالى.

{إنكم مجرمون} قد ذكرنا أن المجرم، هو الوثّاب في المعاصي.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

التمتع: الحصول في أحوال تلذ، والتمتع والتلذذ واحد، ونقيضه التألم.

(إنكم مجرمون) إخبار منه تعالى للكفار بأنكم وإن تمتعتم قليلا في الدنيا فإنكم عصاة وكفار، ومآلكم إلى النار وعذابها، والإجرام فعل ما يقطع المدح ويحصل بدله الذم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إن قلت: كيف يصح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ قلت: يقال لهم ذلك في الآخرة إيذاناً بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم، وكانوا من أهله تذكيراً بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد.

يريد: كنتم أحقاء في حياتكم بأن يدعى لكم بذلك، وعلل ذلك بكونهم مجرمين دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياماً قلائل، ثم البقاء في الهلاك أبداً.

ويجوز أن يكون {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ} [المرسلات: 46]، كلاماً مستأنفاً خطاباً للمكذبين في الدنيا.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{كلوا وتمتعوا} مخاطبة لقريش على معنى قل لهم يا محمد، وهذه صيغة أمر معناها التهديد والوعيد، وقد بين ذلك قوله {قليلاً}.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا هو النوع التاسع من أنواع تخويف الكفار، كأنه تعالى يقول للكافر حال كونه في الدنيا إنك إنما عرضت نفسك لهذه الآفات التي وصفناها ولهذه المحن التي شرحناها، لأجل حبك للدنيا ورغبتك في طيباتها وشهواتها إلا أن هذه الطيبات قليلة بالنسبة إلى تلك الآفات العظيمة، وهذا وإن كان في اللفظ أمرا إلا أنه في المعنى نهي بليغ وزجر عظيم ومنع في غاية المبالغة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

يقول لهم لسان الحال المعرب عن أحوالهم في المآل توبيخاً وتهديداً: {كلوا} أي أيها المكذبون في هذه الدنيا {وتمتعوا} أي كذلك بمثل الجيفة، فإن المتاع من أسمائها كما مر غير مرة عن أهل اللغة {قليلاً} أي وإن امتد زمنه فإنه زائل مع قصر مدته في مدة الآخرة، ولا يؤثر ذلك على الباقي النفيس إلا خسيس الهمة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هنا تعرض في خطفة سريعة رقعة الحياة الدنيا التي طويت في السياق. فإذا نحن في الأرض مرة أخرى. وإذا التبكيت والترذيل يوجهان للمجرمين!

(كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون. ويل يومئذ للمكذبين!)..

وهكذا تختلط الدنيا بالآخرة في فقرتين متواليتين، وفي مشهدين معروضين كأنهما حاضران في أوان وإن كانت تفرق بينهما أزمان وأزمان. فبينما كان الخطاب موجها للمتقين في الآخرة، إذا هو موجه للمجرمين في الدنيا. وكأنما ليقال لهم: اشهدوا الفارق بين الموقفين.. وكلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار، لتحرموا وتعذبوا طويلا في تلك الدار.. (ويل يومئذ للمكذبين!).

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

خطاب للمشركين الموجودين الذين خوطبوا بقوله تعالى: {إن ما توعدون لواقع} [المرسلات: 7] وهو استئناف ناشئ عن قوله: {إنا كذلك نجزي المحسنين} [المرسلات: 44] إذ يثير في نفوس المكذبين المخاطبين بهذه القوارع ما يكثر خطوره في نفوسهم من أنهم في هذه الدنيا في نعمة محققة وأن ما يُوعدون به غير واقع فقيل لهم: {كلوا وتمتّعوا قليلاً}.

فالأمر في قوله: {كلُوا وتمتَّعوا} مستعمل في الإِمهال والإِنذار، أي ليس أكلكم وتمتعكم بلذات الدنيا بشيء؛ لأنه تمتع قليل ثم مأواكم العذاب الأبدي قال تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبيس المهاد} [آل عمران: 196، 197].

وجملة {إنكم مجرمون} خبر مستعمل في التهديد والوعيد بالسوءِ، أي إن إجرامكم مُهْوٍ بكم إلى العذاب، وذلك مستفاد من مقابلة وصفهم بالإِجرام بوصف {المتقين} [المرسلات: 41] بالإِحسان إذ الجزاء من جنس العمل، فالجملة واقعة موقع التعليل.

وتأكيد الخبر ب (إنَّ) لرد إنكارهم كونَهم مجرمين.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

بما أنّ إحدى عوامل إنكار المعاد الاهتمام بلذّات الدنيا الزائلة والميل إلى الحرية المطلقة للانتفاع بهذه اللذّات، ويتوجه بالحديث في الآية التالية إلى المجرمين بلحن تهديدي فيقول: كلوا وتمتعوا بالملذات الدنيوية في هذه الأيّام القلائل، ولكن اعلموا أن العذاب الإلهي ينتظركم، لأنّكم مجرمون: (كلوا وتمتعوا قليلاً إنّكم مجرمون).

وقد يكون التعبير ب (قليلاً) إشارة إلى مدّة عمر الإنسان القصيرة في الدنيا، وكذا المواهب الدنيوية التافهة مقابل النعم الأُخروية اللامتناهية، إلاّ أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذا الخطاب هو للمجرمين في الآخرة، ولكن الالتفات إلى أنّ الآخرة ليس فيها متع من مواهب الحياة للمجرمين ليتمتعوا بها، فينبغي القول بأنّ هذا الخطاب موجّه لهم في الدنيا.