وقولوا كذلك على سبيل زيادة التأكيد ، إن كنت في شك من قولنا هذا فاسأل { القرية التي كُنَّا فِيهَا } والمراد بالقرية أهلها .
أى : فأرسل من تريد إرساله إلى أهل القرية التي حصلت فيها حادثة السرقة فإنهم سيذكرون لك تفاصيلها .
قالوا : ومرادهم بالقرية مدينة مصر التي حدث فيها ما حدث ، وعبروا عنها بالقرية لأنهم يقصدون مكانا معيناً منها ، وهو الذي حصل فيه التفتيش لرحالهم ، والمراجعة بينهم وبين عزيز مصر ومعاونيه .
وقوله : { والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا } معطوف على ما قبله .
أى : اسأل أهل القرية التي كنا فيها ، واسأل { العير } أى : قوافل التجارة التي كنا فيها عند ذهابنا وإيابنا فإن أصحاب هذه القوافل يعلمون ما حدث من ابنك " بنيامين " .
وقوله { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } أى : وإنا لصادقون في كل ما أخبرناك به . فكن واثقاً من صدقنا .
وقد ختم كبيرهم كلامه بهذه الجملة ، زيادة في تأكيد صدقهم ، لأن ماضيهم معه يبعث على الريبة والشك ، فهم الذين قالوا له قبل ذلك في شأن يوسف : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ثم ألقوا به الجب ، { وجآءوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد صورت بأسلوب حافل بالإِثارة والمحاورة ، والأخذ والرد ، والترغيب والترهيب . . ما دار بين يوسف وإخوته عندما قدموا إليه للمرة الثانية ومعهم شقيقة " بنيامين " .
فماذا كان بعد ذلك ؟ لقد كان بعد ذلك أن عاد الإِخوة إلى أبيهم وتركوا بمصر كبيرهم وأخاهم بنيامين ، ويطوى القرآن الحكيم - على عادته في هذه السورة الكريمة - أثر ذلك على قلب أبيهم المفجوع ، إلا أنه يسوق لنا رده عليهم ، الذي يدل على كمال إيمانه ، وسعة آماله في رحمة الله - تعالى - فيقول :
{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ . . . }
يخبر تعالى عن إخوة يوسف : أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين ، الذي قد التزموا لأبيهم برده إليه ، وعاهدوه على ذلك ، فامتنع عليهم ذلك ، { خَلَصُوا } أي : انفردوا عن الناس { نَجِيًّا } يتناجون فيما بينهم .
{ قَالَ كَبِيرُهُمْ } وهو رُوبيل ، وقيل : يهوذا ، وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما همّوا بقتله ، قال لهم : { أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ } لتردنَّه إليه ، فقد رأيتم كيف تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه ، { فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ } أي : لن أفارق هذه البلدة ، { حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي } في الرجوع إليه راضيًا عني ، { أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي } قيل : بالسيف . وقيل : بأن يمكنني من أخذ أخي ، { وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } {[15250]} .
ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع ، حتى يكون عذرا لهم عنده ويتنصلوا إليه ، ويبرءوا مما وقع بقولهم .
وقوله : { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } قال عكرمة وقتادة : ما [ كنا ]{[15251]} نعلم أن ابنك سرق{[15252]} .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما علمنا في الغيب أنه يسرق{[15253]} له شيئا ، إنما سألنا{[15254]} ما جزاء السارق ؟
{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } قيل : المراد مصر . قاله قتادة ، وقيل : غيرها ، { وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي : التي رافقناها ، عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا ، { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما أخبرناك به ، من أنه سرق وأخذوه بسرقته .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الّتِي كُنّا فِيهَا وَالّعِيْرَ الّتِيَ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصَادِقُونَ } .
يقول : وإن كنت متهما لنا لا تصدّقنا على ما نقول من أن ابنك سرق ، فاسأل القرية التي كنا فيها ، وهي مصر . يقول : سل من فيها من أهلها ، والعِيرَ التي أقْبَلْنا فِيها وهي القافلة التي كنا فيها ، التي أقبلنا منها معها ، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سرقه ، فإنك تخبر مصداق ذلك . وإنّا لَصَادِقونَ فيما أخبرناك من خبره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : واسأَلِ القَرْيَةَ التي كنا فِيها وهي مصر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : وَاسأَلِ القَرْيَةَ التي كُنّا فِيها قال : يعنون مصر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قد عرف رُوِبيل في رَجْع قوله لإخوته أنهم أهلِ تَهَمة عند أبيهم ، لما كانوا صنعوا في يوسف ، وقولهم له : اسألِ القَرْيَةَ التي كُنّا فِيها والعِيرَ التي أقْبَلْنا فِيها فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا إن كنت لا تصدقنا وَإنّا لَصَادِقُونَ .
سؤال القرية مجاز عن سؤال أهلها . والمراد بها مدينة مصر . والمدينة والقرية مترادفتان . وقد خصت المدينة في العرف بالقرية الكبيرة .
والمراد بالعير التي كانوا فيها رفاقهم في عيرهم القادمين إلى مصر من أرض كنعان ، فأما سؤال العير فسهل وأما سؤال القرية فيكون بالإرسال أو المراسلة أو الذهاب بنفسه إن أراد الاستثبات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.