الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَسۡـَٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلۡعِيرَ ٱلَّتِيٓ أَقۡبَلۡنَا فِيهَاۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (82)

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : " واسأل القرية التي كنا فيها والعير " حققوا بها شهادتهم عنده ، ورفعوا التهمة عن أنفسهم لئلا يتهمهم . فقولهم : " واسأل القرية " أي أهلها ، فحذف ، ويريدون بالقرية مصر . وقيل : قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها . وقيل المعنى " واسأل القرية " وإن كانت جمادا ، فأنت نبي الله ، وهو{[9234]} ينطق الجماد له ، وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار ، قال سيبويه : ولا يجوز كَلِّمْ هندا وأنت تريد غلام هند ؛ لأن هذا يشكل . والقول في العير كالقول في القرية سواء . " وإنا لصادقون " في قولنا .

الثانية : في هذه الآية من الفقه أن كل من كان على حق ، وعلم أنه قد يظن به أنه على خلاف ما هو عليه أو يتوهم أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه ، ويصرح{[9235]} بالحق الذي هو عليه ، حتى لا يبقى لأحد متكلم ، وقد فعل هذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله للرجلين اللذين مرا وهو قد خرج مع صفية يقبلها{[9236]} من المسجد : ( على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي ) فقالا : سبحان الله وكبر عليهما فقال النبي : ( إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ) رواه البخاري ومسلم .


[9234]:في ي: أنت نبي والله ينطق الجماد لك.
[9235]:كذا في الأصول. ولعل الواو زائدة فيكون يصرح خبر أن.
[9236]:يقلبها: يردها.