روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَسۡـَٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلۡعِيرَ ٱلَّتِيٓ أَقۡبَلۡنَا فِيهَاۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (82)

{ واسئل القرية التي كُنَّا فِيهَا } يعنون كما روي عن ابن عباس . وقتادة . والحسن مصر ، وقيل : قرية بقربها لحقهم المنادى بها ، والأول : ظاهر على القول بأن المفتش لهم يوسف عليه السلام والثاني : الظاهر على القول بأنه المؤذن ، وسؤال القرية عبارة عن سؤال أهلها إما مجازاً في القرية لإطلاقها عليها بعلاقة الحالية والمحلية أو في النسبة أو يقدر فيه مضاف وهو مجاز أيضاً عند سيبويه وجماعة . وفي المحصول وغيره أن الإضمار والمجاز متباينان ليس أحدهما قسماً من الآخر والأكثرون على المقابلة ، وأياً ما كان فالمسؤول عنه محذوف للعلم به ، وحاصل المعنى أرسل من تثق به إلى أهل القرية واسؤلهم عن القصة { والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي أصحابها الذين توجهنا فيهم وكنا معهم فإن القصة معروفة فيما بينهم وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام ، وقيل : من أهل صنعاء ، والكلام هنا في التجوز والإضمار كالكلام سابقاً .

وقيل : لا تجوز ولا إضمار في الموضعين والمقصود إحالة تحقيق الحال والإطلاع على كنه القصة على السؤال من الجمادات والبهائم أنفسها بناء على أنه عليه السلام نبي فلا يبعد أن تنطق وتخبره بذلك على خرق العادة . وتعقب بأنه مما لا ينبغي أن يكون مراداً ولا يقتضيه المقام لأنه ليس بصدد إظهار المعجزة ، وقال بعض الأجلة : الأول إبقاء { القرية * والعير } على ظاهرهما وعدم إضمار مضاف إليهما ويكون الكلام مبنياً على دعوى ظهور الأمر بحيث أن الجمادات والبهائم قد علمت به وقد شاع مثل ذلك في الكلام قديماً وحديثاً ومنه قول ابن الدمينة :

سل القاعة الوعسا من الأجرع الذي *** به البان هل حييت إطلال دارك

وقوله :

سلوا مضجعي عني وعنها فإننا *** رضينا بما يخبرن عنا المضاجع

وقوله :

واسأل نجوم الليل هل زار الكرى *** جفني وكيف يزور من لم يعرف

ولا يخفى أن مثل هذا لا يخلو عن ارتكاب مجاز . نعم هو معنى لطيف بيد أن الجمهور على خلافه وأكثرهم على اعتبار مجاز الحذف { وِإِنَّا لصادقون } فيما أخبرناك به ، وليس المراد إثبات صدقهم بما ذكره حتى يكون مصادرة بل تأكيد صدقهم بما يفيد ذلك من الاسمية وإن واللام وهو مراد من قال : إنه تأكيد في محل القسم ، ويحتمل على ما قيل أن يريد أن هنا قسماً مقدراً ، وقيل : المراد الإثبات ولا مصادرة على معنى أنا قوم عادتنا الصدق فلا يكون ما أخبرناك به كذباً ولا نظنك في مرية من عدم قبوله .