التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

وقوله { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك } أى : من بعد ذلك السنين السبع المذكورات التي تزرعونها على عادتكم المستمرة في الزراعة .

{ سَبْعٌ شِدَادٌ } أى : سبع سنين صعاب على الناس ، لما فيهن من الجدب والقحط ، يأكلن ما قدمتم لهن ، أى : يأكل أهل تلك السنين الشداد ، كل ما ادخروه في السنوات السبع المتقدمة من حبوب في سنابلها .

وأسند الأكل إلى السنين على سبيل المجاز العقلى ، من إسناد الشئ إلى زمانه .

وقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } أى : أن تلك السنين المجدبة ستأكلون فيها ما ادخرتموه في السنوات السابقة ، إلا شيئا قليلا منه يبقى محرزا ، لتنتفعوا به في زراعتكم لأرضكم .

فقوله { تُحْصِنُونَ } من الإِحصان بمعنى الإِحراز والادخار ، يقال أحصن فلان الشئ ، إذا جعله في الحصن ، وهو الموضع الحصين الذي لا يوصل إليه إلا بصعوبة .

وحاصل تفسير يوسف - عليه السلام - لتلك الرؤيا : أنه فسر البقرات السمان والسنبلات الخضر ، بالسنين السبع المخصبة ، وفسر البقرات العجاف والسنبلات اليابسات بالسنين السبع المجدبة التي ستأتى في أعقاب السنين المخصبة وفسر ابتلاع البقرات العجاف للبقرات السمان ، بأكلهم ما جمع في السنين المخصبة ، في السنين المجدبة .

ولقد كان هذا التأويل لرؤيا الملك تأويلا صحيحا صادقا من يوسف - عليه السلام - بسببه أنقذ الله - تعالى - مصر من مجاعة سبع سنين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

( ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ) . .

لا زرع فيهن .

( يأكلن ما قدمتم لهن ) . .

وكأن هذه السنوات هي التي تأكل بذاتها كل ما يقدم لها لشدة نهمها وجوعها !

( إلا قليلا مما تحصنون ) . .

أي إلا قليلا مما تحفظونه وتصونونه من التهامها !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

هذه الرؤيا من مَلك مصر مما قَدّر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسفَ ، عليه السلام ، من السجن مُعزَّزًا مكرما ، وذلك أن المَلك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتَعجَّب من أمرها ، وما يكون تفسيرها ، فجمع الكهنة والحُزَاة وكبراء دولته وأمراءه وقَصَّ عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك ، واعتذروا إليه بأن هذه { أَضْغَاثُ أَحْلامٍ } أي : أخلاط اقتضت رؤياك هذه{[15192]} { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ } أي : ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط ، لما كان لنا معرفة بتأويلها ، وهو تعبيرها . فعند ذلك تَذَكَّرَ ذلك الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين{[15193]} كانا في السجن مع يوسف ، وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف ، من ذكر أمره للملك ، فعند ذلك تذكر { بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : مدة - وقرأ بعضهم : " بعد أَمِةٍ " أي : بعد نسيان ، فقال للملك والذين جمعهم لذلك : { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } أي : بتأويل هذا المنام ، { فَأَرْسِلُونِ } أي : فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن . ومعنى الكلام : فبعثوا{[15194]} فجاء . فقال : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا } وذكر المنام الذي رآه الملك ، فعند ذلك ذكر له يوسف ، عليه السلام ، تعبيرها من غير تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك ، بل قال : { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا } أي{[15195]} يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ، ففسر البقر بالسنين ؛ لأنها تثير الأرض التي تُسْتغل منها الثمرات والزروع ، وهن السنبلات الخضر ، ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال : { فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ } أي : مهما استغللتم{[15196]} في هذه السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ، ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه ، إلا المقدار الذي تأكلونه ، وليكن قليلا قليلا لا تسرفوا فيه ، لتنتفعوا في السبع الشداد ، وهن السبع السنين المُحْل التي تعقب هذه السبع متواليات ، وهن البقرات العجاف اللاتي يأكلن السِّمان ؛ لأن سني{[15197]} الجَدْب يؤكل فيها ما جَمَعَوه في سني{[15198]} الخصب ، وهن السنبلات اليابسات .

وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئا ، وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا قال : { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ }

ثم بشرهم بعد الجَدْب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ } أي : يأتيهم الغيث ، وهو المَطرُ ، وتُغل البلاد ، ويَعصرُ الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم ، من زيت ونحوه ، وسكر ونحوه حتى قال بعضهم : يدخل{[15199]} فيه حلب اللبن أيضًا .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يحلبون .


[15192]:- في ت ، أ : "رؤيا في هذا".
[15193]:- في ت : "الذي".
[15194]:- في ت : "فبعثوه".
[15195]:- في ت : "إذ".
[15196]:- في ت ، أ : "استغليتم".
[15197]:- في ت ، أ : "سنين".
[15198]:- في ت ، أ : "سنين".
[15199]:- في ت ، أ : "ويدخل".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدّمْتُمْ لَهُنّ إِلاّ قَلِيلاً مّمّا تُحْصِنُونَ } .

يقول : ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبا ، سنون سبع شداد يقول : جُدوب قحْطه يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ يقول : يؤكل فيهنّ ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهنّ في السنين السبعة الخصبة من الطعام والأقوات . وقال جلّ ثناؤه : يَأْكُلْنَ فوصف السنين بأنهنّ يأكلهن ، وإنما المعنى : أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهنّ ، كما قيل :

نَهارُكَ يا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ *** ولَيْلُكَ نَوْمٌ والرّدَى لكَ لازِم

فوصف النهار بالسهو والغفلة والليل بالنوم ، وإنما يسهى في هذا ويغفل فيه وينام في هذا ، لمعرفة المخاطبين بمعناه ، والمراد منه : إلا قليلاً مما تحصنون ، يقول : إلا يسيرا مما تحرزونه . والإحصان : التصيير في الحصن وإنما المراد منه : الإحراز .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ يقول يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهنّ من القوت ، إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ثُمّ يأْتي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الجدوب المحول ، يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ثُمّ يأْتي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الجدوب ، يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ : مما تدّخرون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ يقول : تَخزُنون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : تُحْصِنُون : تحرزون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ قال : مما ترفعون .

وهذه الأقوال في قوله : تَحْصِنُونَ وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه ، فإن معانيها متقاربة ، وأصل الكلمة وتأويلها على ما بيّنت .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

{ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهن } أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فأسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به . { إلا قليلا مما تحصنون } تحرزون لبذور الزراعة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ} (48)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ثم يأتي من بعد ذلك}، يعني: من بعد السنين المخصبات، {سبع شداد}، يعني: مجدبات، {يأكلن ما قدمتم لهن}، يعني: ما ذخرتم لهن في هذه السنين الماضية، {إلا قليلا مما تحصنون}، يعني: مما تدخرون فتحرزونه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول: ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبا، سنون سبع شداد يقول: جُدوب قحْطه "يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ "يقول: يؤكل فيهنّ ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهنّ في السنين السبعة الخصبة من الطعام والأقوات. وقال جلّ ثناؤه: "يَأْكُلْنَ" فوصف السنين بأنهنّ يأكلهن، وإنما المعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهنّ...لمعرفة المخاطبين بمعناه، والمراد منه: "إلا قليلاً مما تحصنون"، يقول: إلا يسيرا مما تحرزونه. والإحصان: التصيير في الحصن وإنما المراد منه: الإحراز...

عن قتادة: "ثُمّ يأْتي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الجدوب، يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ": مما تدّخرون...

عن ابن عباس، في قوله: "إلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ" يقول: تَخزُنون...

تُحْصِنُون: تحرزون...

وهذه الأقوال في قوله: "تحْصِنُونَ" وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه، فإن معانيها متقاربة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} أي سبع سنين مجدبات، والشداد الصعاب التي تشتد على الناس.

{يأكلن ما قدمتم لهن} هذا مجاز، فإن السنة لا تأكل فيجعل أكل أهل تلك السنين مسندا إلى السنين.

{إلا قليلا مما تحصنون} الإحصان: الإحراز، وهو إلقاء الشيء في الحصن يقال أحصنه إحصانا إذا جعله في حرز، والمراد إلا قليلا مما تحرزون أي تدخرون...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أتم المشورة، رجع إلى بقية عبارة الرؤيا، فقال: {ثم يأتي} ولما كانت مدة الإتيان غير مستغرقة لزمان البعد، أتى بالجار فقال: {من بعد ذلك} أي الأمر العظيم، وهي السبع التي تعملون فيها هذا العمل {سبع} أي سنون {شداد} بالقحط العظيم، وهن ما أشارت إليه رؤيا صاحبك الذي طار برزقه الطيور، وسار بروحه غالب المقدور، ودلت عليه رؤيا الملك من البقرات العجاف والسنابل اليابسات {يأكلن} أسند الأكل إليهن مجازاً عن أكل أهلهن تحقيقاً للأكل {ما قدمتم} أي بالادخار من الحبوب {لهن} والتقديم: التقريب إلى جهة القدام، وبشرهم بأن الشدة تنقضي ولم يفرغ ما أعدوه، فقال: {إلا قليلاً مما تحصنون}... هذا تعبير الرؤيا...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وصفت السبع اليابسة بأنها سبع شداد، لأنها تكون شديدة على الناس، إذ يكون الناس فيها في شدة تضطرهم لإخراج كل ما ادخروا، ليدفعوا ضرها، ويأكل الناس فيها ما قدموه من قبل لها، وهيأوه لدفع شدتها، ووصفت السنون بأنها تأكل مع أن الأصل هم الذين يأكلون؛ لأن هذه السنين تكون سنين غير منتجة، فكأنها هي التي تأكل...