التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ} (7)

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين بشرهم بنصره متى نصروا دينه ، وتوعد الكافرين بالخيبة والخسران ، ووبخهم على عدم تدبرهم فى مصير الذين من قبهلم ، وسلى النبى - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من أعدائه ، فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا إِن تَنصُرُواْ . . . فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } .

والمراد بنصر المؤمنين لله - تعالى - نصرهم لدينه ، بأن يستقيموا على أمره ويتبعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه .

والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان ، إن تنصروا دين الله - عز وجل - وتتبعوا رسوله ، { يَنصُرْكُمْ } - سبحانه - على أعدائكم { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } عند قتالكم إياهم ويوفقكم بعد ذلك للثبات على دينه ، والشكر على نعمه .

وفى معنى هذه الآية ، وردت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وقوله - سبحانه - : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين } وقوله - عز وجل - : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ} (7)

وفي ظل هذه الكرامة للذين قتلوا في سبيل الله . وفي ظل ذلك الرضى ، وتلك الرعاية ، وبلوغ ذلك المقام . يحرض الله المؤمنين على التجرد لله ، والاتجاه إلى نصرة نهجه في الحياة ؛ ويعدهم على هذا النصر والتثبيت في المعركة ؛ والتعس والضلال لأعدائهم وأعدائه :

( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم . والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم . ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) . .

وكيف ينصر المؤمنون الله ، حتى يقوموا بالشرط وينالوا ما شرط لهم من النصر والتثبيت ?

إن لله في نفوسهم أن تتجرد له ، وألا تشرك به شيئا ، شركا ظاهرا أو خفيا ، وألا تستبقي فيها معه أحدا ولا شيئا ، وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى ، وأن تحكمه في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها ، وسرها وعلانيتها ، ونشاطها كله وخلجاتها . . فهذا نصر الله في ذوات النفوس .

وإن لله شريعة ومنهاجا للحياة ، تقوم على قواعد وموازين وقيم وتصور خاص للوجود كله وللحياة . ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه ، ومحاولة تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء ، فهذا نصر الله في واقع الحياة .

ونقف لحظة أمام قوله تعالى : ( والذين قتلوا في سبيل الله ) . . وقوله : ( إن تنصروا الله ) . .

وفي كلتا الحالتين . حالة القتل . وحالة النصرة . يشترط أن يكون هذا لله وفي سبيل الله . وهي لفتة بديهية ، ولكن كثيرا من الغبش يغطي عليها عندما تنحرف العقيدة في بعض الأجيال . وعندما تمتهن كلمات الشهادة والشهداء والجهاد وترخص ، وتنحرف عن معناها الوحيد القويم .

إنه لا جهاد ، ولا شهادة ، ولا جنة ، إلا حين يكون الجهاد في سبيل الله وحده ، والموت في سبيله وحده ، والنصرة له وحده ، في ذات النفس وفي منهج الحياة .

لا جهاد ولا شهادة ولا جنة إلا حين يكون الهدف هو أن تكون كلمة الله هي العليا . وأن تهيمن شريعته ومنهاجه في ضمائر الناس وأخلاقهم وسلوكهم ، وفي أوضاعهم وتشريعهم ونظامهم على السواء .

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء . أي ذلك في سبيل الله ? فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .

وليس هنالك من راية أخرى ، أو هدف آخر ، يجاهد في سبيله من يجاهد ، ويستشهد دونه من يستشهد ، فيحق له وعد الله بالجنة . إلا تلك الراية وإلا هذا الهدف . من كل ما يروج في الأجيال المنحرفة التصور من رايات وأسماء وغايات !

ويحسن أن يدرك أصحاب الدعوة هذه اللفتة البديهية ، وأن يخلصوها في نفوسهم من الشوائب التي تعلق بها من منطق البيئة وتصور الأجيال المنحرفة ، وألا يلبسوا برايتهم راية ، ولا يخلطوا بتصورهم تصورا غريبا على طبيعة العقيدة .

لا جهاد إلا لتكون كلمة الله هي العليا . العليا في النفس والضمير . والعليا في الخلق والسلوك . والعليا في الأوضاع والنظم . والعليا في العلاقات والارتباطات في كل أنحاء الحياة . وما عدا هذا فليس لله . ولكن للشيطان . وفيما عدا هذا ليست هناك شهادة ولا استشهاد .

وفيما عدا هذا ليس هنالك جنة ولا نصر من عند الله ولا تثبيت للأقدام . وإنما هو الغبش وسوء التصور والانحراف .

وإذا عز على غير أصحاب الدعوة لله أن يتخلصوا من هذا الغبش وسوء التصور والانحراف ، فلا أقل من أن يخلص الدعاة إلى الله أنفسهم ومشاعرهم وتصورهم من منطق البيئة الذي لا يتفق مع البديهة الأولى في شرط الله . .

وبعد فهذا شرط الله على الذين آمنوا . فأما شرطه لهم فهو النصر وتثبيت الأقدام . وعد الله لا يخلفه . فإذا تخلف فترة ؛ فهو أجل مقدر لحكمة أخرى تتحقق مع تحقق النصر والتثبيت . ذلك حين يصح أن المؤمنين وفوا بالشرط ثم تخلف عنهم - فترة - نصر الله .

ثم نقف لحظة أمام لفتة خاصة في التعبير : ( ينصركم . ويثبت أقدامكم ) . .

إن الظن يذهب لأول وهلة أن تثبيت الأقدام يسبق النصر ، ويكون سببا فيه . وهذا صحيح . ولكن تأخير ذكره في العبارة يوحي بأن المقصود معنى آخر من معاني التثبيت . معنى التثبيت على النصر وتكاليفه . فالنصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان ، وبين الحق والضلال . فللنصر تكاليفه في ذات النفس وفي واقع الحياة . للنصر تكاليفه في عدم الزهو به والبطر . وفي عدم التراخي بعده والتهاون . وكثير من النفوس يثبت على المحنة والبلاء . ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعماء . وصلاح القلوب وثباتها على الحق بعد النصر منزلة أخرى وراء النصر . ولعل هذا هو ما تشير إليه عبارة القرآن . والعلم لله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ} (7)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ، كقوله : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } [ الحج : 40 ] ، فإن الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال : { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ، كما جاء في الحديث : " من بَلَّغ ذا سلطان حاجة مَنْ لا يستطيع إبلاغها ، ثبت الله قدمه على الصراط يوم القيامة " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ} (7)

وقوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، إن تنصروا الله ينصركم بنصركم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر به وجهادكم إياهم معه لتكون كلمته العُليا ينصركم عليهم ، ويظفركم بهم ، فإنه ناصر دينه وأولياءه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكمْ لأنه حقّ على الله أن يعطي من سأله ، وينصر من نصره .

وقوله : وَيُثَبّتْ أقْدَامَكُمْ يقول : ويقوّكم عليهم ، ويجرّئكم ، حتى لا تولوا عنهم ، وإن كثر عددهم ، وقلّ عددكم .