التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ} (41)

{ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين } .

واسم الإشارة { هذا } يعود إلى الاستثناء السابق وهو قوله { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين } .

وقد اختار هذا الرأى الإِمام الآلوسى فقال : قال الله - تعالى - { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ } أى : حق لابد أن أراعيه { مستقيم } لا انحراف فيه فلا يعدل عنه إلى غيره .

والإِشارة إلى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلصين من إغوائه وكلمة على تستعمل في الوجوب . والمعتزلة يقولون به حقيقة لقولهم بوجوب الأصلح عليه - تعالى - .

وقال أهل السنة ، إن ذلك وإن كان تفضلاً منه - سبحانه - إلا أنه شبه بالحق الواجب لتأكد ثبوته وتحقق وقوعه ، بمقتضى وعده - عز وجل - ، فجئ بعلىَّ لذلك .

ثم قال : وقرأ الضحاك ومجاهد ويعقوب . . { هذا صراط عَلِيٌّ } - بكسر اللام وضم الياء المشددة وتنوينها - أى : عال لارتفاع شأنه .

وقد اختار صاحب الكشاف عودة اسم الإِشارة إلى ما بعده فقال : قال الله - تعالى - { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } أى هذا طريق حق على أن أراعيه ، وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادى ، إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته .

ويرى ابن جرير أن على هنا بمعنى إلى ، فقد قال - رحمه الله - قوله - تعالى - { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } بمعنى هذا طريق إلى مستقيم .

فكان معنى الكلام : هذا طريق مرجعه إلى ، فأجازى كلا بأعمالهم ، كما قال - تعالى - { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } وذلك نظير قول القائل لمن يتوعده ويتهدده : طريقك على وأنا على طريقك ، فكذلك قوله { هذا صراط } معناه : هذا طريق علىّ وهذا طريق إلى . . . .

ويبدوا لنا أن الآية الكريمة مسوقة لبيان المنهاج القويم الذي كتبه الله - تعالى - على نفسه فضلاً منه وكرمًا ، والميزان العادل الذي وضعه - سبحانه - لتمييز الخبيث من الطيب .

فكأنه - سبحانه - يقول في الرد على إبليس الذي اعترف بعجزه عن إغواء المخلصين من عباد الله : يا إبليس ، إن عدم قدرتك على إغواء عبادى المخلصين منهج قويم من مناهجى التي اقتضتها حكمتى وعدالتى ورحمتى ، وسنة من سننى التي آليت على نفسى أن ألتزم بها مع خلقى .

إن عبادى المخلصين لا قوة ولا قدرة لك على إغوائهم ، لأنهم حتى إذا مسهم طائف منك . أسرعوا بالتوبة الصادقة إلى ، فقبلتها منهم . وغفرت لهم زلتهم . . . ولكنك تستطيع إغواء أتباعك الذين استحوذت عليهم ؛ فانقادوا لك . . .

وفى هاتين الآيتين ما فيهما من التنويه بشأن عباد الله المخلصين ، ومن المديح لهم بقوة الإِيمان ، وعلو المنزلة ، وصدق العزيمة ؛ وضبط النفس . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ} (41)

26

ومن ثم كان الجواب :

( هذا صراط علي مستقيم . إن عبادي ليس لك عليهم سلطان . إلا من اتبعك من الغاوين )

هذا صراط . هذا ناموس . هذه سنة . وهي السنة التي ارتضتها الإرادة قانونا وحكما في الهدى والضلال .

/خ48

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ} (41)

قال الله تعالى له متهددًا ومتوعدًا{[16160]} { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } أي : مرجعكم كلكم إلي ، فأجازيكم بأعمالكم ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر ، كما قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ]

وقيل : طريق الحق مرجعها إلى الله تعالى ، وإليه تنتهي . قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة كما قال : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } [ النحل : 9 ]

وقرأ قيس بن عُبَاد ، ومحمد بن سيرين ، وقتادة : " هذا صراط علي مستقيم " ، كقوله : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] أي : رفيع . والمشهور القراءة الأولى .


[16160]:في ت، أ: "متوعدا ومهددا".