والفاء فى قوله - تعالى - بعد ذلك : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ } . لترتيب ما بعدها من الإِنكار والتعجيب على ما قبلها ، و " ما " للاستفهام ومن أن المستحق للعبادة هو الله - تعالى - وحده . . فأى شئ يمنع هؤلاء الكافرين من الإِيمان ، مع أن كل الدلائل والبراهين تدعوهم إلى الإِيمان .
وأى : مانع منعهم من السجود والخضوع لله - عند ما يقرأ عليهم القرآن الكريم ، الذى أنزلناه عليك لإِخراجهم من الظلمات إلى النور .
فالمقصود من الآيتين الكريمتين تعجيب الناس من حال هؤلاء الكافرين الذين قامت أمامهم جميع الأدلة على صدق اللرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، ومع ذلك فهم مصرون على كفرهم وجحودهم وعنادهم
قال الآلوسى : وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد عند قراءة هذه الآية ، فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذى . . عن أبى هريرة قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى { إِذَا السمآء انشقت } وفى { اقرأ باسم رَبِّكَ . . } وهى سنة عند الشافعى ، وواجبة عند أبى حنيفة . .
أما الإِمام مالك فالرواية الراجحة فى مذهبه ، أن هذه الآية ليست من آيات سجود التلاوة .
وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ? )وهو يخاطبهم بلغة الفطرة ، ويفتح قلوبهم على موحيات الإيمان ودلائله في الأنفس والآفاق .
ويستجيش في هذه القلوب مشاعر التقوى والخشوع والطاعة والخضوع لبارئ الوجود . . وهو " السجود " . .
إن هذا الكون جميل . وموح . وفيه من اللمحات والومضات واللحظات والسبحات ما يستجيش في القلب البشري أسمى مشاعر الاستجابة والخشوع .
وإن هذا القرآن جميل . وموح . وفيه من اللمسات والموحيات ما يصل القلب البشري بالوجود الجميل ، وببارئ الوجود الجليل . ويسكب فيه حقيقة الكون الكبيرة الموحية بحقيقة خالقه العظيم . . ( فما لهم لا يؤمنون ? وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ? ) . .
إنه لأمر عجيب حقا . يضرب عنه السياق ليأخذ في بيان حقيقة حال الكفار ، وما ينتظرهم من مآل :
وقراءة القرآن عليهم قراءته قراءةَ تبليغ ودعوة . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليهم القرآن جماعات وأفراداً وقد قال له عبد الله بن أبيّ بن سلول : « لا تَغْشَنا به في مجالسنا » وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على الوليد بن المغيرة كما ذكرناه في سورة عبس .
والسجود مستعمل بمعنى الخضوع والخشوع كقوله تعالى :
{ والنجم والشجر يسجدان } [ الرحمن : 6 ] وقوله : { يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً للَّه } [ النحل : 48 ] ، أي إذا قرىء عليهم القرآن لا يخضعون لله ولمعاني القرآن وحجته ، ولا يؤمنون بحقيته ودليل هذا المعنى مقابلته بقوله : { بل الذين كفروا يكذبون } [ الانشقاق : 22 ] .
وليس في هذه الآية ما يقتضي أنَّ عند هذه الآية سجدةً من سجود القرآن والأصحّ من قول مالك وأصحابه أنها ليست من سجود القرآن خلافاً لابن وَهب من أصحاب مالك فإنه جعل سجودات القرآن أربع عشرة . وقال الشافعي : هي سُنة . وقال أبو حنيفة : واجبة . والأرجح أن عزائم السجود المسنونة إحدى عشرة سجدة وهي التي رويت بالأسانيد الصحيحة عن الصّحابة . وإن ثلاث آيات غير الإِحدى عشرة آية رويت فيها أخبار أنها سجد النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءتها منها هذه وعارضتها روايات أخرى فهي : إمّا قد تُرك سجودها ، وإمّا لم يؤكد ومنها قوله تعالى هنا : { وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون } . وقال ابن العربي السجود في سورة الانشقاق قول المدنيين من أصحاب مالك ا ه .
قلت : وهو قول ابن وهب ولا خصوصية لهذه الآية بل ذلك في السجدات الثلاث الزائدة على الإِحدى عشرة وقد قال مالك في « الموطأ » بعد أن رَوى حديث أبي هريرة : " الأمر عندنا أن عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء " وقال أبو حنيفة والشافعي : سجدات التلاوة أربع عشرة بزيادة سجدة سورة النجم وسجدة سورة الانشقاق وسجدة سورة العلق . وقال أحمد : هن خمس عشرة سجدة بزيادة السجدة في آخر الآية من سورة الحجّ ففيها سجدتان عنده .
القرطبي: قال مالك: إنها ليست من عزائم السجود، لأن المعنى لا يذعنون ولا يطيعون في العمل بواجباته.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإذا قُرئ عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
عطف على قوله (لا يؤمنون) والمعنى ما الذى يصرفهم عن الإيمان وعن السجود لله والخضوع له والاعتراف بوحدانيته إذا تلي عليهم القرآن الذى أنزلته على محمد (صلى الله عليه وآله) الذى يلين القلب للعمل من الوعظ والوعد والوعيد يميز به بين الحق والباطل، وهو مع ذلك متعذر عليهم الإتيان بمثله، فهو معجز له (صلى الله عليه وآله)...
إنهم أرباب الفصاحة والبلاغة فعند سماعهم القرآن لا بد وأن يعلموا كونه معجزا، وإذا علموا صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب طاعته في الأوامر والنواهي، فلا جرم استبعد الله منهم عند سماع القرآن ترك السجود والطاعة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهو يخاطبهم بلغة الفطرة، ويفتح قلوبهم على موحيات الإيمان ودلائله في الأنفس والآفاق. ويستجيش في هذه القلوب مشاعر التقوى والخشوع والطاعة والخضوع لبارئ الوجود.. وهو "السجود "...
(فما لهم لا يؤمنون؟ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون؟).. إنه لأمر عجيب حقا. يضرب عنه السياق ليأخذ في بيان حقيقة حال الكفار، وما ينتظرهم من مآل...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقراءة القرآن عليهم قراءته قراءةَ تبليغ ودعوة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليهم القرآن جماعات وأفراداً وقد قال له عبد الله بن أبيّ بن سلول: « لا تَغْشَنا به في مجالسنا» وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على الوليد بن المغيرة كما ذكرناه في سورة عبس. والسجود مستعمل بمعنى الخضوع والخشوع كقوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] وقوله: {يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً للَّه} [النحل: 48]، أي إذا قرئ عليهم القرآن لا يخضعون لله ولمعاني القرآن وحجته، ولا يؤمنون بحقيته ودليل هذا المعنى مقابلته بقوله: {بل الذين كفروا يكذبون} [الانشقاق: 22]. وليس في هذه الآية ما يقتضي أنَّ عند هذه الآية سجدةً من سجود القرآن والأصحّ من قول مالك وأصحابه أنها ليست من سجود القرآن...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون). القرآن كالشمس يحمل دليل صدقه بنفسه، وتتلألأ أنوار الإعجاز من بين جنباته، ويشهد محتواه على أنّه من الوحي الإلهي وكل منصف يدرك جيداً لدى قراءته له أنّه فوق نتاجات عقول البشر ولا يمكن أن يصدر من إنسان مهما كان عالماً، فكيف بإنسان لم يتلق تعليماً قط وقد نشأ في بيئة جاهلية موبوءة بالخرافات!... ويراد ب «السجود» هنا: الخضوع والتسليم والطاعة، أمّا السجود المتبادر إلى الذهن بوضع الجبين على الأرض، فهو أحد مصاديق مفهوم السجود، ولعل هذا هو ما ورد في الرّوايات من سجود النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند قراءته لهذه الآية.