التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ} (12)

ثم أقسم - سبحانه - مرة أخرى بالسماء على أن القرآن من عنده - تعالى - فقال : { والسمآء ذَاتِ الرجع . والأرض ذَاتِ الصدع . إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ . وَمَا هوَ بالهزل } .

والرجع : المطر . وسمى بذلك لأنه يجئ ويرجع ويتكرر ، وقيل : الرجع هنا : الشمس والقمر والنجوم ، يرجعن فى السماء حيث تطلع من ناحية ، وتغيب فى الأخرى .

وقيل : المراد بالرجع : الملائكة ، لأنهم يرجعون إليها حاملين أعمال العباد .

والصدع : الشق والانفطار ، يقال : تصدع الشئ ، إذا تشقق . . والمراد به هنا : ما تتشقق عنه الأرض من نبات . كما قال - تعالى - : { أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً . ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً . فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً . وَعِنَباً وَقَضْباً } أى : وحق السماء صاحبة المطر الذى ينزل من جهتها مرة فأخرى ، لنفع العباد والحيوان والنبات . . وحق الأرض ذات النبات البازغ من شقوقها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ} (12)

والصدع النبت يشق الأرض وينبثق . . وهما يمثلان مشهدا للحياة في صورة من صورها . حياة النبات ونشأته الأولى : ماء يتدفق من السماء ، ونبت ينبثق من الأرض . . أشبه شيء بالماء الدافق من الصلب والترائب ؛ والجنين المنبثق من ظلمات الرحم . الحياة هي الحياة . والمشهد هو المشهد . والحركة هي الحركة . . نظام ثابت ، وصنعة معلمة ، تدل على الصانع . الذي لا يشبهه أحد لا في حقيقة الصنعة ولا في شكلها الظاهر !

وهو مشهد قريب الشبه بالطارق . النجم الثاقب . وهو يشق الحجب والستائر . كما أنه قريب الشبه بابتلاء السرائر وكشف السواتر . . صنعة واحدة تشير إلى الصانع !

يقسم الله بهذين الكائنين وهذين الحدثين : السماء ذات الرجع . والأرض ذات الصدع . . حيث يوقع مشهدهما وإيحاؤهما ، كما يوحي جرس التعبير ذاته ، بالشدة والنفاذ والجزم