التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

ثم فصل - سبحانه - ما أجمله فى قوله : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى } فقال : { فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى . وَصَدَّقَ بالحسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ واستغنى . وَكَذَّبَ بالحسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى } والحسنى تأنيث الأحسن ، وهى فة لموصوف محذوف .

أى : { فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى } حق الله - تعالى - ، بأن أنفق من ماله فى وجوه الخير : كإعتاق الرقاب ، ومساعدة المحتاجين . . { واتقى } المحارم والمعاصى

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

وقوله : فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول تعالى ذكره : فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله ، ومن أمَرهُ الله بإعطائه من ماله ، وما وهب له من فضله ، واتقى الله واجتنب محارمه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى قال : أعطى ما عنده واتقى ، قال : اتقى ربه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْديّ ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس فأمّا مَنْ أعْطَى من الفضل واتّقَى : اتقى ربه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فأمّا مَنْ أعْطَى حقّ الله وَاتّقَى محارم الله التي نهى عنها .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول : من ذكر الله ، واتقى الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

{ فأما } تفريع وتفصيل للإِجمال في قوله : { إن سعيكم لشتى } [ الليل : 4 ] فحرف ( أمَّا ) يفيد الشرط والتفصيل وهو يتضمن أداة شرط وفعل شرط لأنه بمعنى : مَهما يكن من شيء ، والتفصيل : التفكيك بين متعدد اشتركت آحاده في حالة وانفرَد بعضها عن بعض بحالة هي التي يُعتنَى بتمييزها . وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه } في سورة الفجر ( 15 ) .

والمحتاج للتفصيل هنا هو السعي المذكور ، ولكن جعل التفصيلُ ببيان الساعين بقوله : فأما من أعطى } لأن المهم هو اختلاف أحوال الساعين ويُلازمهم السعي فإيقاعهم في التفصيل بحسب مساعيهم يساوي إيقاع المساعي في التفصيل ، وهذا تفنن من أفانين الكلام الفصيح يحصل منه معنيان كقول النابغة :

وقَد خِفت حتى ما تزيد مخافتي *** على وعلٍ في ذي المَطارة عَاقِل

أي على مخافة وَعِل .

ومنه قوله تعالى : { ولكن البر من آمن باللَّه واليوم الآخر } إلخ في سورة البقرة ( 177 ) .

وقوله تعالى : { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللَّه واليوم الآخر } [ التوبة : 19 ] الآية ، أي كإيمان من آمن بالله .

وانحصر تفصيل « شتى » في فريقين : فريق ميسَّر لليسرى وفريق ميسَّر للعسرى ، لأن الحالين هما المهم في مقام الحث على الخير ، والتحذير من الشر ، ويندرج فيهما مختلف الأعمال كقوله تعالى : { يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } في سورة الزلزلة ( 6 8 ) . ويجوز أن يجعل تفصيل شتى هم من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى ، ومنْ بخل واستغنى وكذب بالحسنى وذلك عدد يصح أن يكون بياناً لشتّى .

ومَن } في قوله : { من أعطى } الخ وقوله : { من بخل } الخ يعم كل من يفعل الإعطاء ويتقي ويصدِّق بالحسنى . وروي أن هذا نزل بسبب أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأعتقه ليُنجيه من تعذيب أمية بن خلف ، ومن المفسرين من يذكر أبا سفيان بن حرب عوضَ أمية بن خلف ، وهم وهَم .

وقيل : نزلت في قضية أبي الدحداح مع رجل منافق ستأتي . وهذا الأخير متقض أن السورة مدنية وسببُ النزول لا يخصص العموم .

وحُذف مفعول { أعطى } لأن فعل الإِعطاء إذا أريد به إعطاء المال بدون عوض ، يُنزَّل منزلَة اللازم لاشتهار استعماله في إعطاء المال ( ولذلك يسمى المالُ الموهوب عَطاءَ ) ، والمقصود إعطاء الزكاة .

وكذلك حُذف مفعول { اتقى } لأنه يعلم أن المقدّر اتّقى الله .

وهذه الخلال الثلاث من خلال الإيمان ، فالمعنى : فأما من كان من المؤمنين كما في قوله تعالى : { قالوا لم نَكُ من المصلين ولم نَكُ نطعم المسكين } [ المدثر : 43 44 ] ، أي لم نك من أهل الإيمان .

وكذلك فعل { بَخل } لم يُذكر متعلقه لأنه أريد به البخل بالمال .

و { استغنى } جُعل مقابلاً ل { اتَّقى } فالمراد به الاستغناء عن امتثال أمْرِ الله ودعوته لأن المصرَّ على الكفر المعرِضَ عن الدعوة يَعُد نفسه غنياً عن الله مكتفياً بولاية الأصنام وقومِه ، فالسين والتاء للمبالغة في الفعل مثل سين استحباب بمعنى أجاب .

وقد يراد به زيادة طلب الغنى بالبخل بالمال ، فتكون السين والتاء للطلب ، وهذه الخلال كناية عن كونه من المشركين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال : { فأما من أعطى } المال في حق الله عز وجل { واتقى } ونزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ، رحمة الله عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله ، ومن أمَرهُ الله بإعطائه من ماله ، وما وهب له من فضله ، واتقى الله واجتنب محارمه . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى، وظاهر ذلك إعطاء المال ، وهي أيضاً تتناول إعطاء الحق في كل شيء ، قول وفعل ، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

{ مَنْ أَعْطَى } : حَقِيقَةُ الْعَطَاءِ هِيَ الْمُنَاوَلَةُ ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْعٍ أَوْ ضَرٍّ يَصِلُ من الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى وَغَيْرِهِ .

قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقَى } : وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ التَّقْوَى ، وَأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ حِجَابٍ مَعْنَوِيٍّ يَتَّخِذُهُ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِقَابِ ، كَمَا أَنَّ الْحِجَابَ الْمَحْسُوسَ يَتَّخِذُهُ الْعَبْدُ مَانِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَكْرَهُهُ ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفي قوله { أعطى } وجهان :

( أحدهما ) أن يكون المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب وفك الأسارى وتقوية المسلمين على عدوهم كما كان يفعله أبو بكر سواء كان ذلك واجبا أو نفلا ...

( وثانيهما ) : أن قوله : { أعطى } يتناول إعطاء حقوق المال وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى ، يقال : فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة.

وقوله : { واتقى } فهو إشارة إلى الاحتراز عن كل مالا ينبغي ، وقد ذكرنا أنه هل من شرط كونه متقيا أن يكون محترزا عن الصغائر أم لا في تفسير قوله تعالى : { هدى للمتقين } . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه حقيقة . ولكن هناك حقيقة أخرى . حقيقة إجمالية تضم أشتات البشر جميعا . وتضم هذه العوالم المتباينة كلها . تضمها في حزمتين اثنتين . وفي صفين متقابلين . تحت رايتين عامتين : ( من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) . . و ( من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ) . .

( فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى . . فسنيسره لليسرى ) . .

من أعطى نفسه وماله . واتقى غضب الله وعذابه .

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

وقد أطلق أعطى ليعم كل عطاء من ماله وجاهه وجهده حتى الكلمة الطيبة ، بل حتى طلاقة الوجه ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

المقصود من الإعطاء في قوله : «أعطى » هو الإنفاق في سبيل اللّه ومساعدة المحتاجين . والتأكيد على « التقوى » عقب الإعطاء قد يشير إلى ضرورة تنزيه النية وإخلاص القصد عند الإنفاق ، وإلى الحصول على المال من طريق مشروع ، وإنفاقه في طريق مشروع أيضاً ، وإلى خلوه من المنّ والأذى . . . فكلّ هذه الصفات تجتمع في عنوان التقوى . قال بعض إن «أعطى » إشارة إلى العبادات المالية و«اتقى » إشارة إلى سائر العبادات العملية من أداء الواجبات وترك المحرمات ، غير أن التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية ، ومع سبب نزولها . ...