التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ} (9)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة الكافرين فقال - تعالى - { وَعَدَ الله } بفضله وإحسانه { الذين آمَنُواْ } إيمانا حقا { وَعَمِلُواْ } الأعمال { الصالحات } التي نالوا بها رضا الله ، وعدهم بأن { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمة ولهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } لا يعرف مقداره إلا هو - سبحانه –

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ وعد الله أيها الناس الذين صدّقوا الله ورسوله ، وأقرّوا بما جاءهم به من عند ربهم ، وعملوا بما واثقهم الله به ، وأوفّوا بالعقود التي عاقدهم عليها بقولهم : لنسمعنّ ولنطيعنّ الله ورسوله . فسمعوا أمر الله ونهيه ، وأطاعوه فعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه . ويعني بقوله : لَهُمْ مَغْفِرَةٌ : لهؤلاء الذين وَفّوْا بالعقود والميثاق الذي واثقهم به ربهم مغفرة ، وهي ستر ذنوبهم السالفة منهم عليهم ، وتغطيتها بعفوه لهم عنها ، وتركه عقوبتهم عليها وفضيحتهم بها . وأجْرٌ عَظِيمٌ يقول : ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم جزاء على أعمالهم التي عملوها ووفائهم بالعقود التي عاقدوا ربهم عليها أجر عظيم ، والعظيم من خير غير محدود مبلغه ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره .

فإن قال قائل : إن الله جلّ ثناؤه أخبر في هذه الاَية أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولم يخبر بما وعدهم ، فأين الخبر عن الموعود ؟ قيل : بلى ، إنه قد أخبر عن الموعود ، والموعود هو قوله : لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ .

فإن قال قائل : فإن قوله : لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ خبر مبتدأ ، ولو كان هو الموعود لقيل : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما ، ولم يدخل في ذلك «لهم » ، وفي دخول ذلك فيه دلالة على ابتلاء الكلام ، وانقضاء الخبر عن الوعد ؟ قيل : إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت فإنه مما اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه من ذكر بعض قد ترك ذكره فيه ، وذلك أن معنى الكلام : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يغفر لهم ، ويأجرهم أجرا عظيما لأن من شأن العرب أن يصحبوا «الوعد » «أن » يعملوه فيها ، فتركت «أن » إذ كان الوعد قولاً ، ومن شأن القول أن يكون ما بعده من جمل الأخبار مبتدأ وذكر بعده جملة الخبر اجتزاء بدلالة ظاهر الكلام على معناه وصرفا للوعد الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفا إلى معناه ، فكأنه قيل : قال الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجر عظيم . وكان بعض نحويي البصرة يقول : إنما قيل : وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ الوعد الذي وعدوا ، فكان معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول : وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ} (9)

عُقّب أمرهم بالتّقوى بذكر ما وَعد الله به المتّقين ترغيباً في الامتثال ، وعطف عليه حال أضداد المتّقين ترهيباً . فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً . ومفعول { وعد } الثّاني محذوف تنزيلاً للفعل منزلة المتعدّي إلى واحد .

وجملة { لهم مغفرة } مبيّنة لجملة { وعد الله الذين آمنوا } ، فاستغني بالبيان عن المفعول ، فصار التقدير : وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجراً عظيماً لهم . وإنَّما عدل عن هذا النظم لما في إثبات المغفرة لهم بطريق الجملة الاسمية من الدلالة على الثبات والتقرّر .