الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ} (9)

قوله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ } : " وعد " يتعدَّى لاثنين أولهما الموصول ، والثاني محذوفٌ أي : الجنةَ ، وقد صَرًَّح بهذا المفعولِ في غير هذا الموضع وعلى هذا فالجملة من قوله : " لهم مغفرة " لا محل لها لأنها مفسرةٌ لذلك المحذوفِ تفسيرَ السبب للمسبب ، فإن الجنةَ مسببةٌ عن المغفرةِ وحصولِ الأجر العظيم ، والكلامُ قبلها تام بنفسه . وذكر الزمخشري في الآية احتمالاتٍ أخَرَ ، أحدها : أنَّ الجملةَ من قوله : { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } بيانٌ للوعد ، كأنه قال : قَدَّم لهم وعداً ، فقيل : أيَّ شيء وعده ؟ فقال : لهم مغفرة وأجر عظيم ، وعلى هذا فلا محلَّ لها أيضاً ، وهذا أَوْلى من الأول لأن تفسيرَ الملفوظِ به أَوْلى من ادِّعاء تفسير شيء محذوف . الثاني : أنَّ الجملةَ منصوبةٌ بقولٍ محذوفٍ كأنه قيل : وَعَدهم وقال لهم مغفرة . الثالث : إجراءُ الوعد مُجرى القول لأنه ضَرْبٌ منه ، ويجعل " وعد " واقعاً على الجملة التي هي قوله : " لهم مغفرة " كما وقع " تَرَكْنا " على قوله : { سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ } [ الصافات : 79 ] ، كأنه قيل : وعدهم هذا القول ، وإذا وعدهم مَنْ لا يُخْلِفُ الميعادَ فقد وعدهم مضمونَة من المغفرة والأجر العظيم ، وإجراءُ الوعدِ مُجْرى القولِ مذهبٌ كوفي .