اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ} (9)

ثم ذَكَرَ وعْدَ المُؤمنين فقال : " وَعدَ اللَّه . . " الآية .

واعلم أن " وَعد " يتعدَّى لاثْنَيْن :

أوَّلهما : الموْصُولُ .

والثاني : [ مَحْذُوف ]{[7]} أي الجنَّة .

وقد صرَّح بهذا المَفْعُول في غير هذا المَوْضِع ، وعلى هذا فالجُمْلَةُ من قوله : " لَهُم مَغْفِرَةٌ " لا مَحَلَّ لها ؛ لأنَّها مُفَسِّرة لذلك المَحْذُوف تَفْسِير السَّبَب للمُسَبّبِ ، فإن الجَنَّة مسببة عن المَغْفِرَة ، وحُصُول الأجْرِ العَظِيم ، والكلام قبلها تَامٌّ بِنَفْسه .

وذكرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الآيَة احْتِمالاتٌ [ أخَر ]{[8]} .

أحدها : أنَّ الجملة من قوله " لَهُم مَغْفِرَةٌ " [ بيان للوعد ]{[9]} ، كأنَّه قال : قدم لهم وَعْداً ، فَقِيلَ : أيُّ شيء وَعَدَهُ ؟ فقال : { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } ، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لها أيضاً ، وهذا أوْلَى من الأوَّل ؛ لأنَّ تفسير المَلْفُوظِ به أوْلَى من ادِّعاء تَفْسِير شَيْءٍ مَحْذُوف .

الثاني : أنَّ الجملة مَنْصُوبةٌ بقول محذوف ، كأنَّه قيل : وعدهُم ، وقال لهم : " مَغْفِرَة " .

الثالث : إجراء الوَعْدِ مجرى القَوْل ؛ لأنَّه ضَرْبٌ منه ، ويَجْعَل " وَعَدَ " واقعاً على الجُمْلَةِ الَّتِي هي قوله : " لَهُمْ مَغْفِرَةٌ " ، كما وقع " تَرَكْنَا " على قوله تعالى : { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ } [ الصافات : 79 ] كأنه قيل : وعدهَمُ هذا القَوْل ، وإذا وَعَدَهُمْ من لا يَخْلِفُ المِيعاد فَقَدْ وعدهم مَضْمُونَهُ من المَغْفِرَة والأجْرِ العَظِيم ، أي : وعدهُم بهذَا المَجْمُوع ، وإجراء الوَعْدِ مَجْرى القَوْل مذهب كُوفِيٌّ .


[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.