ثم يضيفون إلى ذلك قولهم : { مَا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الآخرة . . . }
أى : ما سمعنا بهذا الدين الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم فى ملة العرب التى أدركنا عليها آباءنا ، أو ما سمعنا بهذا الذى يقوله محمد صلى الله عليه وسلم فى المِلَّة الآخرة ، وهى ملة عيسى - عليه السلام - فإن أتباعه يقولون بالتثليث ، ويقولون بأنه الدين الذى جاء به عيسى .
وعلى هذين القولين يكون قوله { فِى الملة الآخرة } متعلق بسمعنا .
ويصح أن يكون المعنى : ما سمعنا بهذا الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم كانئا فى الملة التى تكون فى آخر الزمان ، والتى حدثنا عنها الكهان وأهل الكتاب . وعلى هذا الرأى يكون قوله { فِى الملة الآخرة } حالا من اسم الإِشارة وليس متعلقا بسمعنا .
ثم أكدوا نفيهم لعدم سماعهم لما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم : { إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق } أى : ما سمعنا شيئا مما يقوله ، وما يقوله ما هو إلا كذب وتخرص اختلقه من عند نفسه ، دون أن يسبقه إليه أحد .
يقال : اختلاق فلان هذا القول ، إذا افتراه واصطنعه واخترعه من عند نفسه ، دون أن يكون له أصل من الواقع .
وقوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من البراءة من جميع الاَلهة إلا من الله تعالى ذكره ، وبهذا الكتاب الذي جاء به في الملّة النصرانية ، قالوا : وهي الملة الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَة ) : ِيقول : النصرانية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : يعني النصرانية ، فقالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى .
حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن ابن أبي لبيد ، عن القُرَظِي في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة عيسى .
حدثني محمد بن الحسين ، قلا : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ النصرانية .
وقال آخرون : بل عَنَوا بذلك : ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريش . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة قريش .
حدثني محمد بن عمرو ، قا : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : قال : ملة قريش .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : أي في ديننا هذا ، ولا في زماننا قطّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : الملة الاَخرة : الدين الاَخر . قال : والملة الدين .
وقيل : إن الملأ الذين انطلقوا نفر من مشيخة قريش ، منهم أبو جهل ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أن أناسا من قُرَيش اجتمعوا ، فيهم أبو جهل بن هشام ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فلنكلمه فيه ، فلينصفنا منه ، فيأمره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه الذي يَعبُد ، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ ، فيكون منا شيء ، فتعيرنا العرب فيقولون : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه ، قال : فبعثوا رجلاً منهم يُدعى المطّلب ، فاستأذن لهم على أبي طالب ، فقال : هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم يستأذنون عليك ، قال : أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا ، فأنصفنا من ابن أخيك ، فمُره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه قال : فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم ، وقد سألوك النّصف أن تكفّ عن شتم آلهتهم ، ويَدَعُوك وإلهك قال : فقال : «أيْ عَمّ أوَلا أدْعُوهُمْ إلى ما هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْها ؟ » قال : وإلام تدعوهم ؟ قال : «أدعوهم إلى أنْ يَتَكَلّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ويَمْلِكُونَ بِها العَجَمَ » قال : فقال أبو جهل من بين القوم : ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها ، قال : «تَقُولونَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » . قال : فنفروا وقالوا : سلنا غير هذه ، قال : «لَوْ جِئْتُمُونِي بالشّمْسِ حتى تَضَعُوها فِي يَدِي ما سأَلْتُكُمْ غَيَرها » قال : فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا : والله لنشتمنك والذي يأمرك بهذا وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلِهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . . . إلى قوله : إلاّ اخْتِلاقٌ وأقبل على عمه ، فقال له عمه : يا ابن أخي ما شططت عليهم ، فأقبل على عمه فدعاه ، فقال : «قلْ كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِها يَوْمَ القيامَةِ ، تَقُولُ : لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقال : لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها ، ولكن على ملّة الأشياخ قال : فنزلت هذه الاَية إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) قال : نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب فكلموه في النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقوله : إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن : ما هذا القرآن إلا اختلاق : أي كذب اختلقه محمد وتخرّصه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : تخريص .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) ، قال : كذب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : كذب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : إلا شيء تخْلُقه .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتلاقٌ ) ، قالوا : إن هذا إلا كذب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.