التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ، أقوالا أخرى لا تقل عن غيرها فى البطلان والفساد .

فقالوا - كما حكى القرآن - : { أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً } . : والاستفهام للإِنكار : أى : أجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة المتعددة ، إلها واحدا . وطلب منا أن ندين له بالعبادة والطاعة ؟

{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أى : إن هذا الذى طلبه منا ، ودعانا إليه ، لشئ قد بلغ النهاية فى العجب والغرابة ومجاوزة ما يقبله العقل .

و { عُجَابٌ } أبلغ من عجيب . لأنك تقول فى الرجل الذى فيه طول : هذا رجل طويل ، بينما تقول فى الرجل الذى تجاوز الحد المعقول فى الطول : هذا رجل طوال .

فلفظ { عُجَابٌ } صيغة المبالغة سماعية ، وقد حكاها - سبحانه - عنهم للإِشعار بأنهم كانوا يرون - لجهلهم وعنادهم - أن ما جاءهم به الرسول - ؛ - هو شئ قد تجاوز الحد فى العجب والغرابة .

واسم الإِشارة يعود إلى جعله صلى الله عليه وسلم الآلهة إلها واحدا ، لأنهم يرون - لانطماس بصائرهم - أن ذلك مخالف مخالفة تامة لما ورثوه ، عن آبائهم وأجدادهم من عبادة للأصنام .

وما كان مخالفا لما ورثوه عن آبائهم فهو - فى زعمهم - متجاوز الحد فى العجب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

وقوله : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إِلها وَاحِدا ) : يقول : وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا : محمد ساحر كذّاب : أجعل محمد المعبودات كلها واحدا ، يسمع دعاءنا جميعنا ، ويعلم عبادة كل عابد عبدَه منا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ : أي إن هذا لشيء عجيب ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) قال : عجب المشركون أن دُعوا إلى الله وحده ، وقالوا : يسمع لحاجاتنا جميعا إله واحد ما سمعنا بهذا في الملة الاَخرة .

وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه ، من ذلك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : «أسْأَلُكُمْ أنْ تُجِيبُونِي إلى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِها العَرَبُ ، وَتُعْطِيكُمْ بِها الخَرَاجَ العَجَمُ » فقالوا : وما هي ؟ فقال : «تقولون لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فعند ذلك قالوا : ( أجَعَلَ الاَلَهَةَ إلَها وَاحِدا ) تعجبا منهم من ذلك . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو أُسامة ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا عباد ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ، ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل البيت ، وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل ، قال : فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم ، وتقول وتقول قال : فأكثروا عليه القول ، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا عَمّ إنّي أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا ، تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وَتُؤَدّي إلَيْهِمْ بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ » ، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فقال القوم : كلمة واحدة ؟ نعم وأبيك عَشْرا فقالوا : وما هي ؟ فقال أبو طالب : وأيّ كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » قال : فقاموا فِزعين ينفضون ثيابهم ، وهم يقولون : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) ، قال : ونزلت من هذا الموضع إلى قوله : لمّا يَذُوقُوا عَذَابِ اللفظ لأبي كريب .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، قال : مرض أبو طالب ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، وهم حوله جلوس ، وعند رأسه مكان فارغ ، فقام أبو جهل فجلس فيه ، فقال أبو طالب : يا ابن أخي ما لقومك يشكونك ؟ قال : «يا عَمّ أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وتُؤَدّي إلَيْهِمْ بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ » قال : ما هي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » فقاموا وهم يقولون : ما سَمِعْنا بِهذَا في المِلّةِ الاَخرةِ إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ونزل القرآن : ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ ذي الشرف بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ حتى قوله : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : مرض أبو طالب ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه لم يقل ذي الشرف ، وقال : إلى قوله : إنّ هَذَا لَشْيءٌ عُجابٌ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : مرض أبو طالب ، قال : فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يعوده ، فكان عند رأسه مقعدُ رجل ، فقام أبو جهل ، فجلس فيه ، فشكَوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ، وقالوا : إنه يقع في آلهتنا ، فقال : يا ابن أخي ما تريد إلى هذا ؟ قال : «يا عمّ إنّي أُريدُهُمْ على كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وتُؤَدّي إلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ » قال : وما هي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقالوا : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

{ أجعل الآلهة إلها واحدا } بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد . { إن هذا لشيء عجاب } بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا ، وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة ، وقرئ مشددا وهو أبلغ ككرام وكرام . وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش ، فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا ، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا يسألونني ، فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال : " أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " ، فقالوا : نعم وعشرا ، فقال : " قولوا لا إله إلا الله " ، فقاموا وقالوا ذلك .