التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

قال - تعالى - : { خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

والباء فى قوله { بالحق } للملابسة . والحق : ضد الباطل ، وهو هنا بمعنى الحكمة والجد الذى لا هزل فيه ولا عبث معه ، كما قال - تعالى - : { وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بالحق . . . } أى : خلق - سبحانه - بقدرته النافذة السموات وما أظلت ، والأرض وما أقلت ، خلقا ملتبسا بالحكمة الحكيمة ، وبالجدية التى لا يحوم حولها لهو أو عبث .

وقوله : { تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه وتقدير لذاته وصفاته ، عما قاله المشركون فى شأنه - عز وجل - من أن له ولدا أو شريكا .

قال - تعالى - : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } وقد صدر - سبحانه - هذه الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته ، بخلق السموات والأرض ، لأن خلقهما أعظم من خلق غيرهما ، ولأنهما حاويتان لما لا يحصى من مخلوقاته - سبحانه - .

قال - تعالى - : { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون }

يقول تعالى ذكره معرفا خلقه حجته عليهم في توحيده ، وأنه لا تصلح الألوهة إلا له : خلق ربكم أيها الناس السموات والأرض بالعدل وهو الحق منفردا بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم يعنه عليه معين ، فأنى يكون له شريك . { تعالى عما يشركون } يقول جل ثناؤه : علا ربكم أيها القوم عن شرككم ودعواكم إلها دونه ، فارتفع عن أن يكون له مثل أو شريك أو ظهير ، لأنه لا يكون إلها إلا من يخلق وينشئ بقدرته مثل السموات والأرض ويبتدع الأجسام فيحدثها من غير شيء ، وليس ذلك في قدرة أحد سوى الله الواحد القهار الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا تصلح الألوهة لشيء سواه .