التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ} (76)

وأمام هذا التقليد الأعمى ، نرى إبراهيم - عليه السلام - يعلن عداوته لهم ولمعبوداتهم الباطلة ، ويجاهرهم بأن عبادته إنما هى لله - تعالى - وحده فيقول :

{ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقدمون فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ العالمين } .

أى : قال لهم إبراهيم على سبيل الإنكار والتأنيب : أفرأيتم وشاهدتم هذه الأصنام التى عبدتموها أنتم وآباؤكم الأقدمون من دون الله - تعالى - إنها عدو لى لأن عبادتها باطلة لكن الله - تعالى - رب العالمين هو وليى وصاحب الفضل على فى الدنيا والآخرة ، فلذا أعبده وحده .

فقوله { إِلاَّ رَبَّ العالمين } . استثناء منقطع من ضمير { إِنَّهُمْ } .

قال صاحب الكشاف : وإنما قال : { عَدُوٌّ لي } تصويرا للمسألة فى نفسه ، على معنى : أنى فكرت فى أمرى فرأيت عبادتى لها عبادة للعدو فاجتنبتها وآثرت عبادة الذى الخير كله منه ، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسها أولا ، وبنى عليها تدبير أمره ، لينظروا فيقولوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، ليكون أدعى لهم إلى القبول . ولو قال : فإنهم عدو لكم لم يكن بتلك المثابة ، ولأنه دخل فى باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح ، لأنه يتأمل فيه ، فربما قاده التأمل إلى التقبل ومنه ما يحكى عن الشافعى - رحمه الله - : أن رجلا واجهه بشىء ، فقال : لو كنتُ بحيث أنت ، لاحتجتُ إلى الأدب . . . وسمع رجل ناسا يتحدثون فى الحِجْر فقال : ما هو بيتى ولا بيتكم . .