التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَإِن يَرَوۡاْ كِسۡفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطٗا يَقُولُواْ سَحَابٞ مَّرۡكُومٞ} (44)

{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } والكِسْف جمع كِسْفة وهى القطعة من الشىء ، والمركوم : المتراكم الذى تجمع بعضه فوق بعض .

أى : وإذا رأى هؤلاء الجاهلون قطعة عظيمة من العذاب نازلة عليهم لتهديدهم وزجرهم . قالوا : هذا النازل علينا سحاب متراكم ، قد اجتمع بعضه فوق بعض ليسقينا ، ولم يصدقوا أنه نذير عذاب شديد لهم . وهذا شأن الطغاة المعاندين ، وقد سبقهم إلى ذلك قوم عاد ، فإنهم حين رأوا العذاب مقبلا نحوهم قالوا { هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } فرد الله - تعالى - عليهم بقوله { بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } هذا : والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة : يراها قد حملت على المشركين حملة شديدة ، حيث وبختهم على جهالاتهم ، وتحدتهم بأسلوب تعجيزي أن يأتوا بمثل القرآن الكريم ، وتهكمت بهم وبعقولهم الفارغة التى انقادوا لها بدون تفكر أو تدبر ، وبينت أنهم قوم متناقضون مع أنفسهم ، لأنهم يقرون أن الله - تعالى - هو الخالق لهم ولغيرهم ، ومع ذلك فهم يعبدون غيره . وينسبون البنات إليه دون البنين .

وقد ذكر بعض المفسرين أن ما أصابهم من هزيمة يوم بدر ، كان فى السنة الخامسة عشرة من بعثته - صلى الله عليه وسلم - وأن هذه الآيات قد تكرر فيها لفظ " أم " خمس عشرة مرة ، بعدد هذه السنين ، ولذا قالوا : إن ذلك فيه إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم .