اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن يَرَوۡاْ كِسۡفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطٗا يَقُولُواْ سَحَابٞ مَّرۡكُومٞ} (44)

قوله تعالى : { وَإِن يَرَوا كِسْفاً مِّنَ السماء سَاقِطاً } «إنْ » هذه شرطية على بابها . وقيل : هي بمعنى «لو »{[53298]} . وليس بِشَيءٍ .

وقوله : «سَحَابٌ » خبر مبتدأ مضمر أي هذا سَحَابٌ ، والجملة نَصْبٌ بالقول .

فصل

لما بين فَسَاد أقوالهم وسقوطها أشار إلى أنه لم يبق لهم عُذْرٌ ، فإن الآيات والحُجَج قد ظهرت ولم يؤمنوا فبعد ذلك { إِن يَرَوْاْ كِسْفاً } أي قطعةً { مِّنَ السماء سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ } أي ينكرون كونه آية .

ومعنى الآية لو عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لم يَنْتَهُوا عن كفرهم ويقولوا لمعاندتهم : هَذَا سَحَابٌ مَرْكُومٌ أي بعضه على بعض .

قوله : «سَاقِطاً » يحتمل أن يكون مفعولاً ثانياً كقولك : رَأَيْتُ زيداً عَالِمَاً ، وأن يكون حالاً كقولك : ضربته قائماً .

والثاني أولى ؛ لأن الرؤية عند التعدي إلى مفعولين في أكثر الأمر تكونُ بمعنى العلم ، تقول : رَأَيْتُ هَذَا المَذْهَبَ صَحِيحاً وهذا الوجه ظاهراً وعند التعدي إلى واحد تكون بمعنى «رأي العين » في الأكثر ، تقول : رأيت زيداً ؛ قال تعالى : { فلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 84 ] وقال : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً } [ مريم : 26 ] .

والمراد من الآية رؤية العين{[53299]} .

فصل

قولهم : «سَحَابٌ مَرْكومٌ » إشارة إلى أنهم حين يعجزون عن التكذيب ولا يمكنهم أن يعقلوا وقوع شيء على الأرض يَرْجِعون إلى التأويل والتَّخْييل ، وقالوا : سَحَابٌ ولم يقولوا : هذا سحاب إشارة إلى وضوح الأمر وظهور العِنَاد فأتوا بما لا شك فيه . وقالوا : «سحاب مركوم » وحذفوا المبتدأ ليبقى للقائل فيه مجال فيقولون عند تكذيب الخلق إيّاهم : قُلْنَا سَحَابٌ مَرْكُومٌ شبهة أو مثلة . وإن مشى الأمر على{[53300]} عوامِّهم استمروا . وهذه طريق من يخاف من كلام لا يعلم هل يقبل منه أم لا فيجعل كلامه ذَا وَجْهَيْنِ{[53301]} . فإن رأى القبول صرح بمرادهِ ، وإن أنكر عليه أحدهما فَسَّره بالآخَر{[53302]} .


[53298]:ذكرهما دون نسبة القول الثاني لقائله أبو البقاء في التبيان 1185.
[53299]:وانظر الرازي 28/269 و268.
[53300]:في ب مع وهو ما وافق الرازي.
[53301]:في النسختين "ذو" والصحيح ما أثبته أعلى.
[53302]:بالمعنى من الرازي 28/269.