مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ أَلۡقِهَا يَٰمُوسَىٰ} (19)

واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكر هذه الجوابات أمره الله تعالى بإلقاء العصا فقال : { ألقها يا موسى } وفيه نكت ، إحداها : أنه عليه السلام لما قال : { ولي فيها مآرب أخرى } أراد الله أن يعرفه أن فيها مأربة أخرى لا يفطن لها ولا يعرفها وأنها أعظم من سائر مآربه فقال : { ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى } . وثانيتها : كان في رجله شيء وهو النعل وفي يده شيء وهو العصا ، والرجل آلة الهرب واليد آلة الطلب فقال أولا : { فاخلع نعليك } إشارة إلى ترك الهرب ، ثم قال ألقها يا موسى وهو إشارة إلى ترك الطلب . كأنه سبحانه قال : إنك ما دمت في مقام الهرب والطلب كنت مشتغلا بنفسك وطالبا لحظك فلا تكون خالصا لمعرفتي فكن تاركا للهرب والطلب لتكون خالصا لي . وثالثتها : أن موسى عليه السلام مع علو درجته ، وكمال منقبته لما وصل إلى الحضرة ولم يكن معه إلا النعلان والعصا أمره بإلقائهما حتى أمكنه الوصول إلى الحضرة فأنت مع ألف وقر من المعاصي كيف يمكنك الوصول إلى جنابه . ورابعتها : أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مجردا عن الكل ما زاغ البصر فلا جرم وجد الكل ، لعمرك أما موسى لما بقي معه تلك العصا لا جرم أمره بإلقاء العصا ، واعلم أن الكعبي تمسك به في أن الاستطاعة قبل الفعل فقال : القدرة على إلقاء العصا ، إما أن توجد والعصا في يده أو خارجة من يده فإن أتته القدرة وهي في يده فذاك قولنا :{ وأن الله ليس بظلام للعبيد } وإذا أتته وليست في يده وإنما استطاع أن يلقي من يده ما ليس في يده فذلك محال ،