واعلم أنه سبحانه لما سأل موسى عليه السلام عن ذلك أجاب موسى عليه السلام بأربعة أشياء ، ثلاثة على التفصيل وواحد على الإجمال . الأول : قوله : { هي عصاي } قرأ ابن أبي إسحق : ( هي عصي ) ومثلها : ( يا بشرى ) وقرأ الحسن ( هي عصاي ) بسكون الياء والنكث ههنا ثلاثة .
إحداها : أنه قال : { هي عصاي } فذكر العصا ومن كان قلبه مشغولا بالعصا ومنافعها كيف يكون مستغرقا في بحر معرفة الحق ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم عرض عليه الجنة والنار فلم يلتفت إلى شيء :{ ما زاغ البصر وما طغى } ولما قيل له امدحنا ، قال : « لا أحصي ثناء عليك » ثم نسي نفسه ونسي ثناءه فقال : « أنت كما أثنيت على نفسك » وثانيها : لما قال : { عصاي } قال الله سبحانه وتعالى : { ألقها } ، فلما ألقاها { فإذا هي حية تسعى } ليعرف أن كل ما سوى الله فالالتفات إليه شاغل وهو كالحية المهلكة لك . ولهذا قال الخليل عليه السلام : { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وفي الحديث : « يجاء يوم القيامة بصاحب المال الذي لم يؤد زكاته ويؤتى بذلك المال على صورة شجاع أقرع » الحديث بتمامه . وثالثها : أنه قال هي عصاي فقد تم الجواب ، إلا أنه عليه السلام ذكر الوجوه الأخر لأنه كان يحب المكالمة مع ربه فجعل ذلك كالوسيلة إلى تحصيل هذا الغرض . الثاني : قوله : { أتوكأ عليها } والتوكي ، والإتكاء ، واحد كالتوقي ، والإتقاء معناه اعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع أو عند الطفرة فجعل موسى عليه السلام نفسه متوكئا على العصا وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : « اتكئ على رحمتي » بقوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } وقال : { والله يعصمك من الناس } فإن قيل : أليس قوله : { ومن اتبعك من المؤمنين } يقتضي كون محمد يتوكأ على المؤمنين ؟ قلنا قوله : { ومن اتبعك من المؤمنين } معطوف على الكاف في قوله : { حسبك الله } والمعنى الله حسبك ، وحسب من اتبعك من المؤمنين . الثالث : قوله : { وأهش بها على غنمي } أي أخبط بها فأضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها على غنمي فتأكله . وقال أهل اللغة : هش على غنمه ، يهش بضم الهاء في المستقبل ، وهششت الرجل أهش بفتح الهاء في المستقبل ، وهش الرغيف يهش بكسر الهاء . قاله ثعلب ، وقرأ عكرمة : ( وأهس ) بالسين غير المنقوطة ، والهش زجر الغنم ، واعلم أن غنمه رعيته فبدأ بمصالح نفسه في قوله : { أتوكأ عليها } ثم بمصالح رعيته في قوله : { وأهش بها على غنمي } فكذلك في القيامة يبدأ بنفسه فيقول : نفسي نفسي ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يشتغل في الدنيا إلا بإصلاح أمر الأمة : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } . « اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون » فلا جرم يوم القيامة يبدأ أيضا بأمته فيقول : « أمتي أمتي » والرابع : قوله : { ولي فيها مآرب أخرى } أي حوائج ومنافع واحدتها مأربة بفتح الراء وضمها ، وحكى ابن الأعرابي وقطرب بكسر الراء أيضا ، والأرب بفتح الراء ، والإربة بكسر الألف وسكون الراء الحاجة ، وإنما قال أخرى لأن المآرب في معنى جماعة فكأنه قال : جماعة من الحاجات أخرى ولو جاءت أخر لكان صوابا كما قال :{ فعدة من أيام أخر } ثم ههنا نكت . إحداها : أنه لما سمع قول الله تعالى : { وما تلك بيمينك } عرف أن لله فيه أسرارا عظيمة فذكر ما عرف وعبر عن البواقي التي ما عرفها إجمالا لا تفصيلا بقوله : { ولي فيها مآرب أخرى } . وثانيها : أن موسى عليه السلام أحس بأنه تعالى إنما سأله عن أمر العصا لمنافع عظيمة . فقال موسى : إلهي ما هذه العصا إلا كغيرها ، لكنك لما سألت عنها عرفت أن لي فيها مآرب أخرى ومن جملتها أنك كلمتني بسببها فوجدت هذا الأمر العظيم الشريف بسببها . وثالثها : أن موسى عليه السلام أجمل رجاء أن يسأل ربه عن تلك المآرب فيسمع كلام الله مرة أخرى ويطول أمر المكالمة بسبب ذلك . ورابعها : أنه بسبب اللطف انطلق لسانه ثم غلبته الدهشة فانقطع لسانه وتشوش فكره فأجمل مرة أخرى ، ثم قال وهب : كانت ذات شعبتين كالمحجن ، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا حاول كسره لواه بالشعبتين ، [ و ] إذا سار وضعها على عاتقه يعلق فيها أدواته من القوس والكنانة والثياب ، وإذا كان في البرية ركزها وألقى كساء عليها فكانت ظلا . وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا ويصيران شمعتين في الليالي ، وإذا ظهر عدو حاربت عنه . وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت . وكان يحمل عليها زاده وماءه وكانت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نصب وكانت تقيه الهوام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.