قال أهل النكت : إن موسى لما قال { ولي فيها مآرب أخرى } أراد الله سبحانه أن يعرفه أن فيها مأربة أخرى لا يفطن لها و { قال ألقها يا موسى } وبوجه آخر كان في رجله شيء وهو النعل وفي يده شيء وهو العصا ، والرجل آلة الهرب واليد آلة الطلب ، فأمر بتركهما تنبيهاً على أن السالك ما دام في مقام الطلب والهرب كان مشتغلاً بنفسه وطالباً لحظه فلا يحصل له كمال الاستغراق في بحر العرفان . وفيه أن موسى عليه السلام مع جلالة منصبه وعلو شأنه لم يمكن له الوصول إلى حضرة الجلال حتى خلع النعل وألقى العصا ، فأنت مع ألف وقر من المعاصي كيف يمكنك الوصول إلى جنابه ؟ ! قال الكلبي : الاستطاعة قبل الفعل لأن القدرة على إلقاء العصا إما أن توجد والعصا في يديه فذاك قولنا ، أو توجد وهي خارجة عن يده وذلك تكليف بأنه يلقي من يده ما ليس في يده . ويمكن أن يجاب بأن القدرة مع إلقاء العصا . قوله { فإذا هي حية تسعى } [ الأعراف : 107 ] وفي موضع آخر { فإذا هي ثعبان } وفي آخر { كأنها جان } [ النمل : 10 ] عبارات عن معبر واحد لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والعظيم . وأما الثعبان - وهو العظيم من الحيات - والجان - وهو الدقيق منها - فبينهما تنافٍ في الظاهر لا في التحقيق ، لأنها حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ، ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعباناً آخر الأمر . أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان ولهذا وصفها بالسعي وهو المشي بسرعة وخفة حركة .
وإنما قلبها حية في ذلك الوقت لتكون معجزة لموسى عليه السلام يعرف بها نبوة نفسه فإن النداء والنور والكلام لم يكن في ظهور الدلالة كهذه ، ولأن توالي المعجزات كتتابع الخلع والكرامات . وأيضاً لأنه عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها حتى لا يخافها عند عدوّه ؛ فالولي يستر العيوب والعدوّ يبرز المناقب في صورة المثالب ، فكيف إذا وجد مجال طعن وقدح ؟ ! وقد مر في " الأعراف " أن الحية كان لها عرف كعرف الفرس ، وكان بين لحييها أربعون ذراعاً ، فلما رأى ذلك الأمر العجيب الهائل ملكه من الفزع والنفار ما يملك البشر عند الأهوال حتى ذهل عن الدلائل وأخذ يفر ، ولو أنه بلغ حينئذٍ مقام { ففروا إلى الله } [ الذاريات : 50 ] لم يفر عن شيء . أو لعله لما حصل له مقام المكالمة بقي في قلبه عجب فأراه الله تعالى أنه بعد في نقص الإمكان ولم يفاوت عالم البشرية وما النصر والتثبيت إلا من الله وحده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.