مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱجۡعَل لِّي وَزِيرٗا مِّنۡ أَهۡلِي} (29)

المطلوب الرابع : قوله : { واجعل لي وزيرا من أهلي } واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون لأنه خاف من نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر فطلب المعين أو لأنه رأى أن للتعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة مزية عظيمة في أمر الدعاء إلى الله ولذلك قال عيسى ابن مريم : { من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله } وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم : { حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } وقال عليه السلام : « إن لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين ، فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر » وههنا مسائل :

المسألة الأولى : الوزير من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه أو من الوزر وهو الجبل الذي يتحصن به لأن الملك يعتصم برأيه في رعيته ويفوض إليه أموره أو من الموازرة وهي المعاونة ، والموازرة مأخوذة من إزار الرجل وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل أمر صعب قاله الأصمعي وكان القياس أزيرا فقلبت الهمزة إلى الواو .

المسألة الثانية : قال عليه السلام : « إذا أراد الله بملك خيرا قيض له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن نوى خيرا أعانه وإن أراد شرا كفه » وكان أنوشروان يقول : لا يستغني أجود السيوف عن الصقل ، ولا أكرم الدواب عن السوط ، ولا أعلم الملوك عن الوزير .

المسألة الثالثة : إن قيل الاستعانة بالوزير إنما يحتاج إليها الملوك أما الرسول المكلف بتبليغ الرسالة والوحي من الله تعالى إلى قوم على التعيين فمن أين ينفعه الوزير ؟ وأيضا فإنه عليه السلام سأل ربه أن يجعله شريكا له في النبوة فقال : { وأشركه في أمري } فكيف يكون وزيرا . والجواب : عن الأول أن التعاون على الأمر والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة له مزية عظيمة في تأثير الدعاء إلى الله تعالى فكان موسى عليه السلام واثقا بأخيه هرون فسأل ربه أن يشد به أزره حتى يتحمل عنه ما يمكن من الثقل في الإبلاغ .

المطلوب الخامس : أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه .