مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِّيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (4)

ثم لما بين علمه بالصغائر والكبائر ذكر أن جمع ذلك وإثباته للجزاء فقال : { ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم } ذكر فيهم أمرين الإيمان والعمل الصالح ، وذكر لهم أمرين المغفرة والرزق الكريم ، فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له ويدل عليه قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }

وقوله عليه السلام فيما أخبرنا به تاج الدين عيسى بن أحمد بن الحاكم البندهي قال : أخبرني والدي عن جدي عن محيي السنة عن عبد الواحد المليجي عن أحمد بن عبد الله النعيمي عن محمد بن يوسف الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري « يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان » والرزق الكريم من العمل الصالح وهو مناسب فإن من عمل لسيد كريم عملا ، فعند فراغه من العمل لا بد من أن ينعم عليه إنعاما ويطعمه طعاما ، ووصف الرزق بالكريم قد ذكرنا أنه بمعنى ذي كرم أو مكرم ، أو لأنه يأتي من غير طلب بخلاف رزق الدنيا ، فإنه ما لم يطلب ويتسبب فيه لا يأتي ، وفي التفسير مسائل :

المسألة الأولى : قوله : { أولئك لهم مغفرة ورزق كريم } يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون لهم ذلك جزاء فيوصله إليهم لقوله : { ليجزى الذين ءامنوا } ، وثانيهما : أن يكون ذلك لهم والله يجزيهم بشيء آخر لأن قوله : { أولئك لهم } جملة تامة إسمية ، وقوله تعالى : { ليجزى الذين آمنوا } جملة فعلية مستقلة ، وهذا أبلغ في البشارة من قول القائل . ليجزي الذين آمنوا رزقا .

المسألة الثانية : اللام في ليجزي للتعليل ، معناه الآخرة للجزاء ، فإن قال قائل : فما وجه المناسبة ؟ فنقول : الله تعالى أراد أن لا ينقطع ثوابه فجعل للمكلف دارا باقية ليكون ثوابه واصلا إليه دائما أبدا ، وجعل قبلها دارا فيها الآلام والأسقام وفيها الموت ليعلم المكلف مقدار ما يكون فيه في الآخرة إذا نسبه إلى ما قبلها وإذا نظر إليه في نفسه .

المسألة الثالثة : ميز الرزق بالوصف بقوله كريم ولم يصف المغفرة واحدة هي للمؤمنين والرزق منه شجرة الزقوم والحميم ، ومنه الفواكه والشراب الطهور ، فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ، ولم يميز المغفرة لعدم الانقسام فيها .