اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (4)

قوله : «لِيَجْزِيَ » فيه أوجه :

أحدها : أنه متعلق{[44074]} ( بلا ) وقال أبو البقاء و ( يعزب ){[44075]} بمعنى لا يعزب أي يُحْصِي ذلك ليجزي{[44076]} . وهو حسن . أو بقوله : «ليأتِيَنًّكُمْ » أو بالعامل في قوله : «إلاَّ فِي كَتَابٍ » أي إلا استقر ذلك «في كتاب مبين » لِيَجْزِيَ{[44077]} .

فصل

اعلم أنه تعالى ذكر منهم أمرين الإيمانَ والعملَ الصالح وذكر لهم أمرين المغفرةَ والرِّزْقَ الكريم فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له لقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 116 ] وقوله عليه ( الصلاة و ){[44078]} السلام :

«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إله إلاَّ اللَّهَ ومَنْ ( في ){[44079]} قَلْبِهِ وزنُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمانٍ{[44080]} » .

والرزق الكريم مرتب على العمل الصالح وهذا مناسب فإن من عمل لسيد كريم عملاً فعند فراغه من العمل لا بدّ وأن ينعم عليه . وتقدم وصف الرزق بالكريم أنه{[44081]} بمعنى ذَا كرم أو مُكْرِم أو لأنه من غير طلب بخلاف رزق الدنيا فإنه إن لم يُطْلَبْ ويتسبب إليه لا يأتي{[44082]} .

فإن قيل : ما الحكمة في تَمييزِهِ الرزق بوصفه بأنّه كريمٌ ولم يضف المغفرة ؟

فالجواب : لأنَّ المغفرة واحدة وهي للمؤمنين وأما الرزق فمنه شجرة الزَّقّوم والحَميم ومنه الفواكهُ والشَّرَاب الطهور فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ولم يميز المغفرة لعدم الانْقِسَام فيها{[44083]} .

فصل

قوله : { أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون ذلك لهم جزاء فيوصله إليه لقوله : «ليَجْزِي الَّذِينَ آمَنُوا » .

وثانيهما : أن يكون ذلك لهم واللَّهُ يجزيهم بشيء آخر لأن قوله : «أُولَئكَ لَهُمْ » جُملة ( تامة اسمية{[44084]} ، وقوله تعالى : «لِيَجْزيَ الَّذِينَ آمَنُوا » جملة ) فعلية مستقلة وهذا أبلغ في البشارة من قول القائل : لِيَجْزِيَ الَّذين آمنوا وعملوا الصالحات رزقاً{[44085]} » .

فصل

اللام في «ليجزي » للتعليل ومعناه الآخرة للجزاء .

فإن قيل : فما وجه المناسبة ؟

فالجواب : أن الله تعالى أراد أن لا يقطع ثوابه فجعل للمكلف داراً باقيةً تكون ثوابه واصلاً إليه فيها دائماً أبداً وجعل قبلها داراً فيها الآلام والأسقام وفيها الموت ليعلم المكلف مقدار ما يكون فيه في الآخرة إذا نسبه{[44086]} إلى ما قبله{[44087]} .


[44074]:التبيان 1062 والبيان 2/474 والبحر المحيط 7/258.
[44075]:سقط من ب.
[44076]:التبيان 1062.
[44077]:البحر المحيط 7/258 والدر المصون 4/410.
[44078]:زيادة من "ب".
[44079]:سقط من "ب".
[44080]:أورده الفخر الرازي في تفسيره ولم أجده في الكتب المعتمدة في الحديث بهيئته هده فقد أسنده إلى محمد بن إسماعيل البخاري بسنده إلى محمد بن يوسف الفريري.
[44081]:في "ب" لأنه وما في "أ" هو الأصح وهو الموافق لتفسير الرازي.
[44082]:تفسير الفخر الرازي 25/241.
[44083]:تفسير الفخر الرازي 25/241.
[44084]:ما بين القوسين ساقط من (ب).
[44085]:قاله الفخر الرازي 25/341.
[44086]:في (ب) النسبة.
[44087]:الفخر الرازي 25/241.