السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (4)

ثم بين علة ذلك كله بقوله : { ليجزي الذين آمنوا وعملوا } تصديقاً لإيمانهم { الصالحات } أي : وإنه ما خلق الأكوان إلا لأجل الإنسان فلا يدعه بغير جزاء ، ثم بين جزاءهم بقوله تعالى : { أولئك } أي : العالو الرتبة { لهم مغفرة } أي : لزلاتهم وهفواتهم لأن الإنسان المبني على النقصان لا يقدر أن يقدر العظيم السلطان حق قدره { ورزق كريم } أي : جليل عزيز دائم لذيذ نافع شهي لا كدر فيه وهو رزق الجنة .

تنبيه : ذكر تعالى في الذين آمنوا وعملوا الصالحات أمرين : الإيمان ، والعمل الصالح ، وذكر لهم أمرين : المغفرة والرزق الكريم ، فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له لقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء : 48 ) وقوله صلى الله عليه وسلم : «يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ومن في قلبه وزن ذرة من إيمان » ، والرزق الكريم على العمل الصالح وهذا مناسب ، فإن من عمل لسيد كريم عملاً فعند فراغه لا بد وأن ينعم عليه وقوله تعالى { كريم } بمعنى : ذي كرم أو مكرم أو لأنه يأتي من غير طلب بخلاف رزق الدنيا فإنه إن لم يطلب ويتسبب فيه لا يأتي غالباً .

فإن قيل : ما الحكمة في تمييزه الرزق بأنه كريم ولم يصف المغفرة ؟ أجيب : بأن المغفرة واحدة وهي للمؤمنين ، وأما الرزق فمنه شجرة الزقوم والحميم ، ومنه الفواكه والشراب الطهور فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ولم يميز المغفرة لعدم الانقسام فيها .