مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَوَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ} (11)

قوله تعالى : { فويل يومئذ للمكذبين * الذين هم في خوض يلعبون } أي إذا علم أن عذاب الله واقع وأنه ليس له دافع فويل إذا للمكذبين ، فالفاء لاتصال المعنى ، وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان ، وذلك لأنه لما قال : { إن عذاب ربك لواقع } لم يبين بأن موقعه بمن ، فلما قال : { فويل يومئذ للمكذبين } علم المخصوص به وهو المكذب ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : إذا قلت بأن قوله { فويل يومئذ للمكذبين } بيان لمن يقع به العذاب وينزل عليه فمن لا يكذب لا يعذب ، فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يكذبون ، نقول ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر وهذا كما في قوله تعالى : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا } فنقول المؤمن لا يلقى فيها إلقاء بهوان ، وإنما يدخل فيها ليظهر إدخال مع نوع إكرام ، فكذلك الويل للمكذبين ، والويل ينبئ عن الشدة وتركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن نوع شدة ، منه لوى إذا دفع ولوى يلوي إذا كان قويا والولي فيه القوة على المولى عليه ، ويدل عليه قوله تعالى : { يدعون } فإن المكذب يدع والمصدق لا يدع ، وقد ذكرنا جواز التنكير في قوله { ويل } مع كونه مبتدأ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء ومضى ، وجهه في قوله تعالى : { قال سلام } والخوض نفسه خص في استعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل ، ولهذا قال تعالى : { وخضتم كالذي خاضوا } وقال تعالى : { وكنا نخوض مع الخائضين } وتنكير الخوض يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون للتكثير أي في خوض كامل عظيم ( ثانيهما ) أن يكون التنوين تعويضا عن المضاف إليه ، كما في قوله تعالى : { إلا } وقوله { وإن كلا } و{ بعضهم ببعض } والأصل في خوضهم المعروف منهم .