روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (85)

{ لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ } على أن الحق إما اسمه تعالى أو نقيض الباطل عظمه الله تعالى بإقسامه به ، ورجح بحديث إعادة الاسم معرفة أو فأنا الحق أو فقولي الحق ، وقوله تعالى : { لاَمْلأَنَّ } الخ حينئذٍ جواب لقسم محذوف أي والله لأملأن الخ ، وقوله تعالى : { والحق أَقُولُ } على تقدير اعتراض مقرر على الوجهين الأولين لمضمون الجملة القسمية وعلى الوجه الثالث لمضمون الجملة المتقدمة أعني فقولي الحق .

وقول { فالحق } مبتدأ خبره { لأَمْلاَنَّ } مبتدأ خبره { لاَمْلأَنَّ } لأن المعنى أن أملأ ليس بشيء أصلاً . وقرأ الجمهور { فالحق والحق } بنصبهما وخرج على أن الثاني مفعول مقدم كما تقدم والأول مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب كما في بيت الكتاب

: إن عليك الله أن تبايعا *** تؤخذ كرهاً أو تجيء طائعاً

وقولك : الله لأفعلن وجوابه { لاَمْلاَنَّ } وما بينهما اعتراض وقيل هو منصوب على الإغراء أي فالزموا الحق و { لاَمْلاَنَّ } جواب قسم محذوف ، وقال الفراء : هو على معنى قولك حقاً لآتينك ووجود أل وطرحها سواء أي لأملأن جهنم حقاً فهو عنده نصب على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة ، ولا يخفى أن هذا المصدر لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة وأنه مخصوص بالجملة التي جزآها معرفتان جامدان جموداً محضاً . وقال صاحب البسيط : وقد يجوز أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ يكون ضميراً نحو هو زيد معروفاً وهو الحق بينا وأنا الأمير مفتخراً ويكون ظاهراً نحو زيد أبوك عطوفاً وأخوك زيد معروفاً اه فكأن الفراء لا يشترط في ذلك ما يشترطون .

وقرأ ابن عباس . ومجاهد . والأعمش بالرفع فيهما ، وخرج رفع الأول على ما مر ورفع الثاني على أنه مبتدأ والجملة بعده خبر والرابط محذوف أي أقوله كقراءة ابن عامر { وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى } [ النساء : 95 ] وقول أبي النجم

: قد أصبحت أم الخيار تدعي *** علي ذنباً كله لم أصنع

برفع كل ليتأتى السلب الكلي المقصود للشاعر ، وقرأ الحسن . وعيسى . وعبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر بجرهما ، وخرج على أن الأول : مجرور بواو القسم محذوفة أي فوالحق ، والثاني : مجرور بالعطف عليه كما تقول : والله والله لأقومن ، و { أَقُولُ } اعتراض بين القسم وجوابه ، وجعله الزمخشري مفعولاً مقدماً لأقول والجر على حكاية لفظ المقسم به قال : ومعناه التوكيد والتشديد وإفادته ذلك زيادة على ما يفيده أصل الاعتراض لأن العدول عما يقتضيه من الإعراب إلى الحكاية لما كان لاستبقاء الصورة الأولى دل على أنها من العناية في شأنها بمكان وهذا جار في كل حكاية من دون فعل قول وما يقوم مقامه فيدل فيما نحن فيه على فضل عناية بشأن القسم ويفيد التشديد والتوكيد .

وقرئ بجر الأول على إضمار حرف القسم ونصب الثاني على المفعولية { مِنكَ } أي من جنسك من الشياطين { وَمِمَّن تَبِعَكَ } في الغواية والضلالة { مِنْهُمْ } من ذرية آدم عليه السلام { أَجْمَعِينَ } توكيد للضمير في { مِنكَ } والضمير المجرور بمن الثانية ، والمعنى لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحداً أو توكيد للتابعين فحسب والمعنى لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم ، وتأكيد التابعين دون المتبوعين لما أن حال التابعين إذا بلغ إلى أن اتصل إلى أولاد الأنبياء فما بال المتبوعين . وقال صاحب الكشف : صاحب هذا القول اعتبر القرب وأن الكلام بين الحق تعالى شأنه وبين الملعون في شأن التابعين فأكد ما هو المقصود وترك توكيد الآخر للاكتفاء . هذا واعلم أن هذه القصة قد ذكرت في عدة سور وقد ترك في بعضها بعض ما ذكر في البعض الآخر للإيجاز ثقة ما ذكر في ذلك وقد يكون فيها في موضعين مثلاً لفظان متحدان مآلا مختلفان لفظاً رعاية للتفنن ، وقد يحمل الاختلاف على تعدد الصدور فيقال مثلاً : إن اللعين أقسم مرة بالعزة فحكى ذلك في سورة { ص } بقوله تعالى : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ } وأخرى بإغواء الله تعالى الذي هو أثر من آثار قدرته وعزته عز وجل وحكم من أحكام سلطانه فحكى ذلك في سورة [ الأعراف : 16 ] بقوله تعالى : { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } وقد يحمل الاختلاف على اختلاف المقامات كترك الفاء من قوله : { أَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الأعراف : 14 ] ومن قوله تعالى : { إِنَّكَ مِنَ المنظرين } [ الأعراف : 15 ] في الأعراف مع ذكرها فيهما في { ص } والذي يجب اعتباره في نقل الكلام إنما هو أصل معناه ونفس مدلوله الذي يفيده وأما كيفية إفادته له فليس مما يجب مراعاته عند النقل البتة بل قد تراعي وقد لا تراعي حسب اقتضاء المقام ، ولا يقدح في أصل الكلام تجريده عنها بل قد تراعي عند نقله كيفيات وخصوصيات لم يراعها المتكلم أصلاً حيث أن مقام الحكاية اقتضتها وهي ملاك الأمر ولا يخل ذلك بكون المنقول أصل المعنى كما قد حققه صدر المفتين أبو السعود وأطال الكلام فيه فليراجع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (85)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لأملأن جهنم منك} يا إبليس ومن ذريتك الشياطين.

{وممن تبعك} على دينك من كفار بني آدم.

{منهم أجمعين} من الفريقين جميعا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الأغلب على سياقات هذه السورة سلامة العاقبة، كان توحيد الضمير في

{تبع} أولى، وليفهم الحكم على كل فرد ثم الحكم على المجموع فقال: {تبعك} ولما كان ربما قال متعنت: إن المالئ لجهنم من غير البشر، قال: {منهم} أي الناس الذين طلبت الإمهال لأجلهم، وأكد ضمير {منك} والموصول في {ممن} بقوله: {أجمعين} لا تفاوت في ذلك بين أحد منكم...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحداً، أو توكيد للتابعين فحسب، والمعنى لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم، وتأكيد التابعين دون المتبوعين؛ لما أن حال التابعين إذا بلغ إلى أن اتصل إلى أولاد الأنبياء فما بال المتبوعين...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

تبعك في التعزز والاستكبار والإباء عن الحق والمحاجة في الباطل...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

اعلم أن حكاية هذه المقاولة بين كلام الله وبين الشيطان حكاية لما جرى في خَلد الشيطان من المدارك المترتبة المتولدة في قرارة نفسه، وما جرى في إرادة الله من المسببات المترتبة على أسبابها من خواطر الشيطان؛ لأن العالم الذي جرت فيه هذه الأسباب ومسبباتها، عالم حقيقة لا يجري فيه إلا الصدق، ولا مطمع فيه لترويج المواربة ولا الحيلة؛ ولذلك لا تعد خواطر الشيطان المذكورة فيه جرأة على جلال الله تعالى، ولا تعدّ مجازاة الله تعالى الشيطانَ عليه، تنازلاً من الله لمحاورة عبد بغيض لله تعالى...