روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (59)

{ وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون } أي انفردوا عن المؤمنين إلى مصيركم من النار . وأخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة أي اعتزلوا عن كل خير ، وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أي على خلاف ما للمؤمنين من الاجتماع مع من يحبون ، ولعل هذا بعد زمان من أول دخولهم فلا ينافي عتاب بعضهم بعضاً الوارد في آيات أخر كقوله تعالى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النار } [ غافر : 47 ] ويحتمل أنه أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى ، وجوز الإمام كون الأمر أمر تكوين كما في { كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] على معنى أن الله تعالى يقول لهم ذلك فتظهر عليهم سيماء يعرفون بها كما قال سبحانه : { يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم } [ الرحمن : 41 ] ولا يخفى بعده ، والجملة عطفاً ما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أصحاب الجنة من عطف القصة على القصة فلا يضر التخالف إنشائية وخبرية ، وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما ، وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أصحاب الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم أيها المجرمون .

قاله أبو السعود ، وقال الخفاجي : يجوز أن يكون بتقدير ويقال امتازا على أنه معطوف على يقال المقدر العامل في { قولا } [ يس : 58 ] وهو أقرب وأقل تكلفاً لأن حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدث عنه ولا حرج ، وفيه بحث يظهر بأدنى تأمل ، وقيل : إن المذكور من قوله تعالى : { إِنَّ أصحاب الجنة } [ يس : 55 ] إلى هنا تفصيل للمجمل السابق أعني قوله تعالى : { وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ يس : 54 ] وبني عليه أن المعطوف عليه متضمن لمعنى الطلب على معنى فليمتز المؤمنون عنكم يا أهل المحشر إلى الجنة وامتازوا عنهم إلى النار ، وتعقبه في «الكشف » بأنه ليس بظاهر إذ بأحد الأمرين غنية عن الآخر ثم قال : والوجه أن المقصود عطف جملة قصة أصحاب النار على جملة قصة أصحاب الجنة وأوثرها هنا الطلب زيادة للتهويل والتعنيف ألا ترى إلى قوله تعالى : { اصلوها اليوم } [ يس : 64 ] وإن كان لا بد من التضمين فالمعطوف أولى بأن يجعل في معنى الخبر على المعنى وأن المجرمون ممتازون منفردون .

وفائدة العدول ما في الخطاب والطلب من النكتة اه ، وما ذكره من حديث إغناء أحد الأمرين عن الآخر سهل لكون الأمر تقديرياً مع أن الامتياز الأول على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد فيفيد كل منهما ما لا يفيده الآخر ، نعم قال العلامة أبو السعود في ذلك : إن اعتبار فليمتز المؤمنون وإضماره بمعزل عن السداد لما أن المحكى عنهم ليس مصيرهم إلى ما ذكر من الحال المرضية حتى يتسنى ترتيب الأمر المذكور عليه بل إنما هو استقرارهم عليها بالفعل ، وكون ذلك تنزيل المترقب منزلة الواقع لا يجدي نفعاً لأن مناط الاعتبار والإضمار انسياق الافهام إليه وانصباب نظم الكلام عليه فبعد التنزيل المذكور وإسقاط الترقب عن درجة الاعتبار يكون التصدي لإضمار شيء يتعلق به إخراجاً للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة ، والظاهر أنه لا فرق في هذا بين التضمين والإضمار ، والذي يغلب على الظن أن ما ذكر لا يفيد أكثر من أولوية تقدير فليقروا عيناً على تقدير فليمتازوا فليفهم ، وقال بعض الأذكياء : يجوز أن يكون { امتازوا } فعلاً ماضياً والضمير للمؤمنين أي انفرد المؤمنون عنكم بالفوز بالجنة ونعيمها أيها المجرمون ففيه تحسير لهم والعطف حينئذ من عطف الفعلية الخبرية على الاسمية الخبرية ولا منع منه ، وتعقب بأنه مع ما فيه من المخالفة للأسلوب المعروف من وقوع النداء مع الأمر نحو { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا } [ يوسف : 29 ] قليل الجدوى وما ذكره من التحسير يكفي فيه ما قبل من ذكر ما هم عليه من التنعم وأيضاً للمأثور يأبى عنه غاية الإباء وهو كالنص في أن { امتازوا } فعل أمر ولا يكاد يخطر لقارىء ذلك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (59)

{ 59 - 67 } { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }

لما ذكر تعالى جزاء المتقين ، ذكر جزاء المجرمين { و } أنهم يقال لهم يوم القيامة { امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } أي : تميزوا عن المؤمنين ، وكونوا على حدة ، ليوبخهم ويقرعهم على رءوس الأشهاد قبل أن يدخلهم النار ، فيقول لهم : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ }

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (59)

قوله تعالى : { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } قال مقاتل : اعتزلوا اليوم من الصالحين . قال أبو العالية : تميزوا . وقال السدي : كونوا على حدة . وقال الزجاج : انفردوا عن المؤمنين . قال الضحاك : إن لكل كافر في النار بيتاً يدخل ذلك البيت ويردم بابه بالنار فيكون فيه أبد الآبدين ، لا يرى ولا يرى .